الورود حين تزهر في الحرب

د. جوان حمي

متألمة و هاربة من أهوال الحرب ،تتخطى عتبة ألمها لتسرق وروداً من فمها، تعاكس وجع الحرب بجمال نصوصها، كمعادلة في علم الرياضيات بتناسب طردي ،كلما ازدادت فجاعة الحرب إزداد جمال ما تكتبه .

من ميثيولوجيا أجدادها الكرد البوبلانيين، و قدرتهم على السخرية من كل شيء تنطلق( مريم ته مه ر) في عالم المفردات السهلة لكن الواثقة والتي تُصيب أبداً في مقتل .

إذا البوبلانية أغدقت عليها عشيرتها نعمة التهكم على كل شيء، إنهم قوم يسخرون حتى من العدم. ( لم يسخر أحدٌ من الحرب ؛بل سخروا من يده المقطوع. حتى الحرب لم تخجل من فعلتها ).

(الحرب تشبهها( مريم ته مر) بغدر رجل طعن انثاه أربع و أربعين مرة )،نعم لا غدر يفوق غدر الحرب إلا غدر ذكر طعن أنثاه 44 طعنة أكثر من طعنات نبلاء روما لقيصرها .

في نصوصها الكثير من هدوء نصوص الكبير شيركو بيكس ،روحانيات أنسي الحاج ، و بساطة و تألق رياض الصالح الحسين، لكنها تنهج بعيداً عنهم ،بما تغدقه عليها الحرب .

المقاومة، الجبال و ميثيولوجيا والده فايق بيكس ألهمت الكثير لشيركو بيكس ،الظلم و المد الغيفاري ألهم رياض الصالح الحسين ,عمق الثقافة العربية ألهمت انسي الحاج الكثير الكثير من روحانياته و ابداعه الحرب أقدم إختراع بشري تافه ،مفجع حوّرته (مريم ته مر) إلى حكايا جدات ترويها لأحفاد ضجرين من حكايا البشر في عهد الشبكات العنكبوتية .

(الطريق تحب المارة الطريق تُقبل خطوات الاطفال الأطفال الذين فقدوا أقدامهم في الحرب ) الحرب مؤنث مجازي في اللغة العربية ،لكن ذكرتها الكاتبة لتزيد قسوة الخراب .فالذكور عاشقون للخراب : (أمي الليل لم يكن اسود النهار لم يكن أبيض مريم لم تكن قديسة والله لم يرَ ظلم القتلة ) نعم الرب لم يعرف ظلم القتلة لأنه لا يتقن الكوردية .

(الطفل بيد واحدة يستيقظ كل صباح يقول بعجز رجل تسعيني أمي … الحرب قصمت ظهري ) لقد كبر أطفالنا خلال هذه العجاف العشرة ..لقد هرموا باكراً جداً .

وهكذا تستمر الحرب مع كوارثها، بحيث ماعاد يجمع الجمع هنا في قامشلوكتنا ، إلامقبرة شهداء شرقي المدينة (يجمع الجميع …، مقبرة شهداء شرقي المدينة) تتيه شاعرتنا في تفاصيل عشق ،بسيطة كلماته ،بساطة ماء و وضوح طلقات مسدس رياض الصالح الحسين (ما أشتهيه و أنا أدير ظهري لك غير عابئة بك أن تشدني من جديلتي و تهمس إنك لم تنسني يوماً)، مريم ته مه ر تنهج بهدوء شبكة النص : (كيف ليديك أن لا تعرف أنها أهم إنجازات الله).

تظل تكتب أهوال الحرب ،الظلم السياسي ،القهر الاجتماعي بلغة عربية لأنها لغة رجل الشرطة ذي الهراوة الثخينة ،لم يترك نظام البعث-الذي عرب حتى طيور القطا و الحجل و دعاسيق السهول ما حول هليليكي- لها و لمجايليها من الكُتّاب أي فسحة لتعلم لغة أمها الكُردية .

بالمقابل لم يَتسنَّ لها تعلم العربية من كتاتيب الملالي و لم تتلمذ علي يدي ملالي الكورد ب(ربع يس،و جزء عم )أُرْغِمَت كما الكثيرين على الكتابة بلغة رجل الشرطة اتقنت عربية سهلة بعيدة عن تعقيدات و أوزان و التفعيلات التي أضافها سليم بركات للغة العربية . (مريم ته مه ر) :لكل امرؤ من اسمه نصيب .مريم الهادئة في طروحاتها و مفرداتها ،و صورها الشعرية لكنها نصوصها تخترق القلوب بسرعة فهد بري مشتق من اسم عائلتها (ته مه ر:الاسم العائلي للشاعرة باللغة الكوردية يعني الفهد) .

(ورود من فم الحرب) هي المجموعة الثالثة للشاعرة الكردية مريم تمر عن دار الزمان في دمشق، بعد مجموعتها الثانية (الأبله الذي يدق في غيابي) التي صدرت عن التكوين الدمشقية والأولى (إلى صغيرتي قامشلو) إذ طبعت و نشرت في مدينة قامشلو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق