الشّاعر “جوان فرسو”: الشّعراء محكومون بالحب، بالحبّ يعبر الشّعراء عن آلامهم وآمالهم

من سلسلة وجوه ثقافية مع محمود عبدو ( 1-2)
حوار: محمود عبدو
سلسلة “وجوه ثقافية” والتي نسعى بها للتعريف بوجوه منطقتنا الثقافية – ما أمكن- مؤكدين بأن الثقافة لا زالت تشكل العمود لأي مجتمعات حيّة، لتكون حلقتنا الثانية من عامودا أيضا مع أحد الوجوه الشعرية والثقافية الفاعلة الشاعر “جوان فرسو”.
من الأرق الأول سورين في مجموعتك “تلك التي” وأنت تنحاز للإيجابي والشفيف في الشعر
هل من الضرورة ان يكون الشعر حمّال جمال ورومنسية فحسب؟
الشعراء محكومون بالحب، بالحبّ يعبر الشعراء عن آلامهم وآمالهم، عن انكساراتهم وجراحاتهم، لا لغة أمامهم سوى الحب، حتى في أصعب لحظاتهم وغضبهم تراهم يستغيثون بالعصافير والفراشات والحمام، يقول أبو فراس الحمداني:
أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ أيا جارتا لو تشعرين بحالي
لاحظ الجمع بين كلمتي (ناحت وحمامة) لاحظ استنجاده بالحمامة التي رأى فيها ملاذاً للأنين…
لدي قصيدة بعنوان: الوطن الثامن: الهذيان
أقول فيها:
افتحي لي قلبكِ الصّغير كشمعةِ الميلاد..
فأنا بحاجةٍ ماسّةٍ لوطنٍ جديد
وهذيانٍ جديد..
فالرومانسية هي رقصة الشاعر مع الآلام، الألم المبدع الذي ينخس في خاصرة الشاعر كالمهماز ويحرضه على الكتابة..
بدأت شاعرا وانتقلت للصحافة ثم للعمل الاغاثي والإنساني وأخير يوتيوبر كحلم أين هو جوان فرسو الآن؟
عندما وصلت إلى بريطانيا وتعرفت على طبيعة المهن هنا، أشفقت على حالنا في الشرق الأوسط، كم كنا بؤساء نضطر للانتقال من مهنة إلى أخرى ليس بدافع الشغف وإنما لحاجةٍ مادية في أغلب الظروف، بينما في دولٍ أخرى مثل بريطانيا تدرس التخصص الذي تحبه وسرعان ما تجد عملاً في التخصص ذاته، وتوفر لك الدولة والعديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية الدعم والتدريب وفرص العمل..
بدأت شاعراً محبّاً للغة العربية، ولطالما سهرت الليالي حتى يتبيّن لي الخيط الأبيض من الخيط الأسود فقط لأكتب قصيدة، أتذكر أن أول قصيدة مكتملة المعالم كتبتها في الصف العاشر حين كنت في الربيع السادس عشر من العمر، كتبتها على نظام البحور الشعرية بعد أول درس لنا في اللغة العربية حول بحور الشعر، بعدها تتالت الكتابات وتوالت، وأقمت العديد من الأمسيات الشعرية وتعرفت على العديد من الشعراء والكتاب الذين لا زال البعض منهم أصدقاءً حتى اليوم، والبعض الآخر بعثرته السنين فوق الأرض أو تحتها.. في السنين البكر من حياتي في عامودا وقامشلو والحسكة ودمشق طرقت جميع أبواب المراكز الثقافية وكمن يبحث عن ذاته بدأت بنشاط منقطع النظير فكانت مشاركاتي تثير إعجاب الكثيرين من النقاد والأساتذة آنذاك نظراً لصغر سني..
في طرطوس، العام 2002 شاركت في المسابقات الشعرية للشباب وحققت المركز الأول على مستوى سوريا، في العام 2008 كنت طالباً جامعياً حينما طبعت مجموعتي الشعرية (تلك التي) على حسابي الشخصي رغم الظروف الصعبة وقمت بتوزيع معظم النسخ الثلاثمئة على الأصدقاء والنقاد والكتاب، وفي العام 2010 شاركت في مسابقة للقصة القصيرة أقيمت في مصر باسم مسابقة الدكتور عبدالفتاح خليفة وحصلت على المركز الثالث على مستوى الوطن العربي..
الحياة ومنغصاتها وصعوبات كيف تكون “سيزيف” الثقافة في ظروف جد صعبة؟
ولأننا نعيش في رقعة جغرافية أنت فيها عنوان للتضحية وليس الرفاهية، وككل الشعراء في شرقنا الأوسط اصطدمت بالحياة، أو دعني أقول اصطدمت بالجانب المظلم من الحياة، وكانت الصدمة الأولى في دراستي الجامعية حيث أرغمتني الظروف الاقتصادية في دمشق على العمل في مجالاتٍ عديدة بعيداً عن عالم الأدب والكتابة الأدبية، ووجدت نفسي في مواجهةٍ مباشرة وجهاً لوجه مع ماديات الحياة ولأول مرةٍ بدأت أشعر أنني خسرت الرهان على كتاباتي وطموحاتي، فقمت بتوزيع الجرائد الإعلانية على المنازل والمحال التجارية، وعملت كمندوب مبيعات، وقمت بتفريغ المحاضرات لطلاب الجامعة (أي كتابة المحاضرات لصالح المكتبة الجامعية وبيعها للطلبة) كما عملت مراسلاً صحفياً ومحرراً باسم مستعار مع مواقع الكترونية للمعارضة السورية خلال دراستي الجامعية، وعملت كموظف للاستقبال في منزل سفير الاتحاد الأوروبي في دمشق أربعة أعوام بالتزامن مع دراستي للدبلوم والماجستير، وكان آخر عمل لي في دمشق هو مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير الذي يديره الصحفي مازن درويش، وتم اعتقالنا في بدايات العام 2012 بسبب توثيقنا للانتهاكات في سوريا، وبعد خروجي من المعتقل عدت إلى عامودا فبدأت بتعلم اللغة الكردية في معهد رشيد كورد وقمت بتدريسها فيما بعد بالتزامن مع تدريس العربية وبالتزامن مع العمل كمحرر مع جريدة الجسر ومقدم برامج مع إذاعة آرتا لمدة عامين..
في العام 2014 حصلت على فرصة للعمل مع منظمة إغاثية دولية في ديريك، وبالفعل انتقلت إلى ديريك التي أحببتها وتزوجت من أجمل وأرقى بناتها التي رافقتني في مسيرتي ولا تزال..
في نهاية العام 2019 وبعد الاحتلال التركي لسري كانيه، شعرت أنني وصلت إلى نهاية المطاف في الشرق الأوسط لاعتبارات عديدة من أهمها استمرار العمل في دوامة مفرغة والتوقف عن التطور على الصعيد الشخصي أو العائلي، وشعرت أنني سأبدأ أعاني من شيء اسمه “الاحتراق الوظيفي” بمعنى أني لم أعد أتعلم من عملي وصار العمل اليومي عبارة عن روتين ممل، وخططت في قرارة نفسي أن أعود إلى شغفي في الكتابة والتفرغ لما أحب دون التفكير في هواجس وتفاصيل الحياة اليومية، وبدأت أعد العدة لشد الرحال خارج الشرق الأوسط إلى بيئةٍ يمكنني فيها الكتابة والقراءة دون أن تكون للتفاصيل الحياتية الصعبة والأزمات تأثيراً على قراراتي المهنية..
اليوم أنا وعائلتي في بريطانيا، وقد بدأت بالفعل ببعض المشاريع والخطوات الصغيرة على طريق العودة للعمل الإبداعي والكتابي، لكن الكثير من أفكاري تطورت وتغيرت بعد وصولي إلى هذه البلاد البعيدة فالتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي والتسويق الالكتروني ليست مجرد مصطلحات.
يتبع الجزء الثاني لنتعرف عن قرب أكثرعمن هو “جوان فرسو”