عبد الجابر حبيب : رسالة أخيرة

مهلاً يا صديقي
الفراشة لاتزال تمتص رحيق الحياة،
فلا تعبث بزرقة السماء
حتى لاتثير الشكوك
في قلب الفأر العجوز،
و إن الذبابة الرمادية منذ الفجر
لايتوقف طنيها
تريد أن تغرز فيك خبثها،
فهي من بنات الشيطان
كالغواية البراقةتجذبك نحو
خوابي عسلٍ مغشوش.
على عتبة الخيبة
هناك صوت يناديك
يريد إثبات بأن المستحيل السابع
تحول إلى واقع ملموس
تستطيع لمسه
كما تلمس ورقة النعناع،
وتشمها متى شئت ياصديقي
وإن رغيف الخبز المعجون بالحليب
بات في كل فم جائع
يذوب كما قطعة حلوى،
وإن الريح تصالحت مع الجهات
ولم تعد تفكر بخلق الأعاصير المدمرة
وإن المعبر الوحيد من، وإلى الوطن
سيظل مفتوحاً لتُصدِّر آلامك
وتستورد أحلاماً
بنكهة هديل حمامة بيضاء.
سيتحول حلمك المفجوع
بأرق الانتظار إلى طائر
يغرد خارج قفص قلبك
الذي كان ينبض خوفاً،
من الجوع
من الظمأ
من انقطاع حبال الضوء
من رشقات الرصاص.
من تصريحات مفزعة لرجل
له ربطة عنق ملساء
كجلد أفعى مرقطة.
مهلاً ياصديقي
كنْ بلسماً يأتي مع النسيم
لتنثر في القلوب بذور الحنين.
لِمَ لاتعاقب كل مَنْ يثير زوبعة الجوع
من حولنا،
بلُقمة لحمٍ مشويٍّ على
غرار موائد أطباء مدينتنا
فهم حقاً يعرفون من أين تؤكل الكتف.
كنْ على ثقة عمياء
بأننا نتمتع بكامل حريتنا
فَمَنْ لايريد أكل البيض في بلادنا
يكون مصاب بداء الحساسية،
ولاشيء آخر ،
لاتصدق الإشاعات المغرضة
بأننا فقراء، أوتحت خط الفقر.
يقيناً ياصديقي
ليست الشمس مسؤولة عن
مأساة الباحثين في حاويات القمامة
قبل شروقها
ربما تتقاعس قليلاً بارسال ضوئها
أثناء الشتاء،
ولكن هي، مع الجميع على حِدة.
أتدري ياصديقي
إن الحق مايزال أسير الباطل.
كِثرٌ مَنْ يتهرب من قول الحق
لأن الباطل يدرُّ عليه بعناقيد الذهب
ولكني مازلت أخشى التأقلم مع ذاتي
ومازال السيد ميم سجين الحلال.
وغيره كسر أسوار الحرام.
مازال السيد ميم بدراجته الهوائية
يعبر بين صفوف السيارات الفارهة
ومازلنا نتحدث بملء الشدق عن الفساد.
ونصفق لرجل المنبر في كل مناسبة
حتى في صمته المريب.
مهلاً ياصديقي
إنْ أتيت يوماً إلى زيارتي
فاجلب معك غرسة، وازرعها
فوق قبري
إن لم تجدني في انتظارك
لعل الفراشة ذاتها ستعود يوماً
إلى حضني دون أن تطرح عليَّ
أسئلتها الحمقاء.
فما زلت لا أملك جواباً
لكل مايدور حولي من التفاهة المعلنة
على أشرعة الفضول.
عبد الجابر حبيب