راج آل محمد : في الذكرى السابعة لرحيل صديق الشعب الكردي هادي العلوي

في السابع والعشرين من شهر أيلول الجاري، تحل الذكرى السنوية السابعة لرحيل صديق الشعب الكردي المفكر العراقي هادي العلوي. منذ الذكرى الأول لرحيله وأنا أجهز نفسي لكتابة مقالة أو ربما كلمة ولكن عندما أبدأ بالشروع وأكتب المقدمة، أتخلى عن الموضوع، إذ ماذا يمكنني أن أضيف إلى كل ما قاله الأساتذة طيب تيزيني وصادق جلال العظم، ورشيد خيون والمستعرب الفرنسي “جاك بيرك” الذي قال:” أيها العرب: لديكم مفكراً مهماً اسمه هادي العلوي. إنه أحد أخطر عشرة مثقفين في القرن العشرين.” وعبد المعين ملوحي الذي قال :
لم يكن هادي العلوي مفكراً حراً فحسب
ولم يكن عربياً أصيلاً فحسب
ولم يكن مشاعياً صادقاً فحسب
ولم يكن صوفياً زاهداً فحسب
ولم يكن إنساناً راقياً فحسب
بل كان كل ذلك وأكثر من ذلك.
ولكن كونه إنسان عظيم لا يمكن الإحاطة بكل جوانب شخصيته كمفكر، وإنسان ومناضل. وربما لهذا السبب تشجعت في الكتابة عنه خاصة بعد التقصير الكبير من جانب الإعلام الكردي بحق صديقه الوفي.
تعود علاقتي الشخصية بالأستاذ هادي العلوي إلى نهاية الثمانينيات عندما بعث برسالة براءة إلى أطفال كردستان في أعقاب قصف حلبجة بالأسلحة الكيميائية والتي خاطب فيها الطفل الكردي قائلاً:
” أيها الطفل الكردي المحترق بالغاز في قريته الصغيرة، على فراشه أو في ساحة لعبه، هذه براءتي من دمك أقدمها لك، معاهداً إياك ألا أشرب نخب الأمجاد الوهمية لجيوش العصر الحجري، ولا أمد يدي إلى واحد من أنظمة العصر الحجري، أقدمها لك على استحياء ينتابني شعور بالخجل منك ويجللني شعور بالعار أمام الناس أني أحمل نفس هوية الطيار الذي استبسل عليك وليت الناس أراحوني منها حتى يوفروا لي براءة حقيقية من دمك العزيز أنا المفجوع بك، الباكي عليك في ظلمات ليلي الطويل، في زمن حكم الذئاب البشرية الذي لم نعد نملك فيه إلا البكاء. اقبلها مني أيها المغدور: فهي براءتي إليك من هويتي. “
كنت في حينه طالباً في الجامعة وكان لدينا فريق لكرة القدم اسمه “خورمال” توأم حلبجة التي قُصفت بالسلاح الكيميائي فقررنا أنا وأصدقائي أن نقدم له جائزة أسميناه “جائزة خورمال للسلام” وكان عبارة عن كأس من الألمنيوم مع رسالة تضامنية نشكره فيها على موقفه التضامني مع قضيتنا وقد جاء في الرسالة ” إن رسالة البراءة التي أرسلتها إلى أطفال كردستان سالت بلسماً على جروحنا وزادتنا تمسكاً بالأخوة العربية الكردية. كان بودنا أن تكون جائزتنا أثمن من ذلك ولكن العين بصيرة واليد قصيرة فنحن لا نملك حتى ملعباً لنتدرب فيه” ذهبنا إليه في منزله بالمزة وكان يسكن في غرفة من شقة الدكتورة عتاب ملوحي-ابنة الكاتب الكبير عبد المعين ملوحي- فاستقبلنا استقبالاً حافلاً وقال إن الأخوة الأكراد دائماً يُشعرونني بالتقصير فكلما عملت معهم موقفاً صغيراً يُكافئونني بشيء أكبر. ورد في رسالة جوابية ” جائزة نوبل للسلام وجائزة خورمال للسلام، اسمان قريبان من بعضهما ولكن الفرق بينهما شاسع فتلك ثمنها ألاف الدولارات وهذه ثمنها بضع دريهمات ولكنها لن تُمنح لأمثالي لأن سلامنا غير سلامهم وقد جاء بها لأنهم فقراء مثلي والمثيل يبحث عن المثيل كما يقول أفلاطون، فشكراً لأبناء عمي الفقراء على هديتهم المتواضعة”.
بعد سفره إلى الصين، انقطعت العلاقات إلى أن قمت بترجمة كتاب ” لا أصدقاء سوى الجبال” في عام 1996 فاتصلت به وسألته هل تتذكرني؟ أنا من جلب لك “جائزة خورمال للسلام”. فقال: “طبعاً كل ما هو من الأكراد محفور في قلبي.”
أخذت له الكتاب لكي يكتب المقدمة فتوطدت العلاقة وتعرفت عليه عن قرب. كان عصامياً ويرضى بالحد الأدنى من الأجر على كتبه. وعندما قلت له أن دور النشر تستغلك فلماذا لا تعطينا كتبك لكي نبيعها لك؟ غضب قائلاً أنا لست مرتزقاً! أنا لا أريد أن أخضع لثلاث سلطات: سلطة الدين وسلطة الدولة وسلطة المال. وقد عرضت عليه السلطات السورية حضور حفلة تكريم أحد الكتاب العراقيين في فندق شيراتون أجاب “أنا لا أحضر مآدب السلطة. وإذا أردتم سأحضر بعد الانتهاء منن الأكل.” فرُفض طلبه.
كان مثقفاً موسوعياً نزيهاً وجريئاً وأبدى ملاحظات مثيرة حول بعض الظواهر الفكرية والفلسفية واللغوية كاعتراضه على مصطلح “الفلسفة العربية الإسلامية” الذي اعتبره خطأ كبيراً ومن نتاج التعصب القومي العربي وقال ” أنا أفضل تسمية حضارة إسلامية وفلسفة إسلامية وفكر إسلامي وعلوم إسلامية، إنها أدق في الدلالة على التركيب الحقيقي لهذا التراث، وعندما نتحدث عن تراث العقلانية العربية، فالحديث يجب أن يكون عن العقلانية الإسلامية، لأن العصر الجاهلي لا يصنف في عصور الحضارات.”
كان قريباً جداً من الشعب الكردي ولعله ليس من باب المصادفة أن آخر حديث أدلى به لقناة تلفزيونية كان مع قناة MedTV الكردية حيث أجاب عن بضعة أسئلة وأتته النوبة فقام فريق التصوير بنقله إلى مشفى الشامي بدمشق. عندما زرته في المشفى، وكان في غيبوبة، قالت لي رفيقة دربه الفاضلة أم الحسن أن الطبيب المشرف أخبرها أنه لا يزال يتكلم عن موضوع الأكراد فقالت له أم الحسن صحيح لأنه كان يجري مقابلة مع قناة الكردية.
تحية إلى روح هادي العلوي في ذكرى رحيله المبكر.
المصدر: https://m.ahewar.org