لمعه علي- بضع كلمات عن شيخ القصيدة الكردية

عندما يتم الحديث عن الهيجان المستمر والمقاومة الدائمة والحراك الذي لا يعرف الممل والحماس المتجددة لدى الفئة المثقفة والواعية من المجتمع الكردي، نتذكر اولا شخصيات مهمة لعبوا أدوار مؤثرة خاصة في السنوات الأخيرة، ومنهم شيخ القصيدة الكردية أحمد الحسيني وابن مدينة عامودا التي جمعت في قلبها وروحها التاريخ والحضارة والعلم والثقافة.
الشاعر أحمد الحسيني معروف لدى جميع الكرد سواءا في الداخل أو الخارج، يعرفه أبناء آمد و أورمية ودهوك كأبناء قامشلو تماما، وقد اشتهر كشاعر واديب لامع ومتجدد، عبر قصائده وكتبه وبرامجه الأدبية في القنوات التلفزيونية الكردية ولسنوات عديدة، وكانت تلك البرامج الادبية التي جمعت العشرات من المثقفين والكتاب الكرد، أساسا لتشكيل مؤسسة أو اتحاد يجمع مثقفين الكرد في روجافاي كردستان ويعود الفضل له ولبعض الكتاب والمثقفين في تأسيس اتحاد مثقفي روجافاي كردستان في أوروبا، ومن ثم نقل بجهودهم مقر الاتحاد الأساسي إلى الوطن.
رأيت الشاعر أحمد الحسيني لأول مرة عندما كان يقدم برنامج أدبي على شاشة ROJ-TV، وكنت أتمنى رؤيته في يوم ما في روجافا، وتحقق ذلك بالفعل حينما كنت طالبة في جامعة روجافا، حينما أتى إلى الجامعة لإلقاء محاضرة. ومن خلال تلك المحاضرة وبعدها وأثناء الدردشة والحديث معه، أدركت انه إنسان متواضع يتعامل مع الجميع وكأنه واحد منهم، لكن التواضع عنده دائما كان يحمل ما هو مهم وجديد، ولا يمكن أن يشعر الإنسان بالملل من حديثه، وحتى كلامه العادي تأتي كقصائد، وبالمناسبة ففي أحد الأيام بذكرى رحيل الشاعر الكردي جكر خوين، وحينما طلب منه أحد مراسلي قناة كردية إلقاء كلمة فوق قبر الشاعر، تحدث الحسيني بروحه وقلبه جعل الجميع يستمع بدهشة، وحينما أنتهى قال المراسل كاد الشاعر جكر خوين ان يخرج من قبره ويحضنك، فقد كان حديثك كقصيدة رائعة رغم عفويتها.
حينما تجلس مع الحسيني وإن كانت لأول مرة لن تحس أنك أمام إنسان لا تعرفه أو أنه لا يعرفك، بل يتحول الجلسة إلى حديث شيق في الثقافة والأدب والعلم، وقبل كل شيء جلسة فيها روح سامية وقيم ومبادىء ووطنية.
في عام ٢٠٢٢ إجراء الشاعر أحمد الحسيني لقاء معي في برنامج Lavêjên Rojava” وكان تواضعه وخبرته سببا في ان اتحدث بكل راحة خلال البرنامج، وكذلك في جميع لقاءاتنا الأخرى لم أرى منه سوى الاحترام والتقدير والدعم لكل خطوة من خطواتي نحو الكتابة، فهو واحد من الأدباء الذي قدموا الكثير من الدعم والمساعدة للعشرات من المثقفين والأدباء في مسيرتهم الأدبية.
لن ادخل في تفاصيل قصائده فقد كتب عنه الكثير، لكن مع ذلك أستطيع القول أن قصائد الحسيني واشعاره قد اثر علي كثيرا فهو واحد من الشعراء الذي يؤثر على الأحاسيس والمشاعر الإنسانية ويغذيها، حينما ينتقل من حب هذا الأرض والتمسك به إلى التعلق بشجرة الزيتون وصوت الينابيع، فهو في قصائده يزور كل الأماكن وتراه فوق الجبال وأمام الشلالات وبين الوديان ومع الناس بين السهول، يمزج الواقع بالخيال يرسم صور رائعة في مخيلة الإنسان بلغة كردية جميلة ومؤثرة:
أبقى هنا
زيتونة خضراء
وغدير نبع
أزرع في قلب القصيدة
أبقى هنا
وأرسل دمي نحو التربة الرطبة والباردة.
في قصائده ترى احاسيسه في كل سطر وبيت، وبجمل تم اختيارها بعناية فائقة، يرسم تلك الأحاسيس كرسام بارع يحرك ريشته ليعطي الروح لكل كلمة.
وأخيرا من حقنا ككرد وخاصة أبناء روجافا أن نفتخر بشخصياتنا الأدبية امثال الحسيني كما نفتخر بغيره من الذين أعطو لهذا الشعب كل ما عندهم من الإبداع والعلم والثقافة والفن.