سلوى كولي: الكتابات الماضية مع السنين، ماهي فاعلة وماذا تركت؟ (أحمد حسيني ودخوله الخمسين عاماً)

الترجمة عن الكوردية: آخين ولات

دون أن يستأذن الوقت أحداً، يمضي ومعه الكثير من الأشياء. تلك الأشياء مجهولة، تنتظر أشخاصاً معينين، ليستكشفوا بمناظيرهم، ما في جعبته، ويأخذ كل منهم نصيبه.

والشاعر هو ذاك الذي يلج أعماق الأحلام والمشاعر، ويفعم مزهرياته بالزهر من تلك الأقاصي.  

وشاعرنا الذي يلقب نفسه بالشيخ أحمد حسيني، وينحدر من عائلةٍ عريقة لها طريقتها، ولها حجراتٌ فقهية… فعاش حياةً ذات منحيين: منحىً ديني وآخر مترعٌ بالأحاسيس والأحلام، والمعاناة والغبطة؛ لاشك أن هذين المنحيين لا يتوافقان، إلا أنهما يلتقيان في التصوف.

لقد جمع الشاعرُ الاثنين معاً، لكن لأحدهما نصيب أوفر من الآخر، ولذلك نقرأ في قصائده تصوفاً مختلفاً، تصوفٌ بمعاناة وحزن الأصل، بوجع وهم الغربة، وتجربة أحمد الشعرية، هي تجربة مديدة.

استطاع أحمد الحسيني أن يعبر حدود منطقته، ويصبح شاعراً كردستانياً لأسبابٍ عدة، منها:

ـ اللغة التي يعتمدها، لغة متقنة، وقاموسه الشعري غني.

ـ استطاع أحمد الاستفادة من الفن وجماليات قصيدة الشعوب المجاورة التي يعايشها، ومن القصيدة العالمية.

نرى أنه يحتوي إلى حدٍ ما: سليم بركات، أدونيس، ومحمود درويش، ومن الشعر العالمي نري أنه قد تأثر بـ (ت. س. إليوت، ماياكوفسكي، ويتمان، رامبو، وكذلك بودلير).

ـ استقى أحمد غِنى قاموسه من التصوف الإسلامي، وكذلك الكردي.

ويبدو تأثير أسلوب كلٍ من: الملا الجزيري وفقي تيران وأحمدي خاني، واضحاً للغاية عنده، ولكن بأسلوبٍ خاص بأحمد.

ـ يعتبر أحمد واحداً من الشعراء الذين أبحروا بشعرهم في التاريخ، والدين، وأساطير شعوبهم.

ـ من ناحيةٍ أخرى فإن ظهور أحمد الحسيني على شاشة التلفزيون قد ساهم في دخوله إلى كل بيتٍ كردي أينما كان، خاصةً أن قراءة قصائده تأخذ نصف وقت البرنامج.

هذا وإن أحمد الحسيني مع آخرين من مثل رويار آمدي وتنكزار ماريني يعتبرون من الرعيل الثاني الذي أخذ على عاتقه تحديث الشعر الكردي في شمال غربي كردستان، منذ أواسط الثمانينات، حتى بداية التسعينات، بعد المرحلة الأولى التي بدأت على يد قدري جان، الدكتور كاميران بدرخان، الأمير جلادت بدرخان ورشيد كورد.

أسّسوا أرضيةً مناسبة لآفاقٍ جديدة، وجعلوا اللغة، الصورةالشعرية، فنية القصيدة وجمالياتها، هي العناصر الرئيسية في القصيدة، إضافةً إلى المضمون، حتى يرتقوا بالقصيدة الكردية إلى سويةٍ عالية، وبالتالي تبتعد عن التكرار واجترار لغة الجبل والسهول والزراعة.

شرعوا في كتابة القصيدة النثرية، وكذلك النثر، لتقوم القصيدة بدورها الحقيقي، بأنها اكتشافُ جديد في تداول اللغة، وإيجاد معانٍ  دلالية أخرى في اللغة.  

ومن ناحيةٍ أخرى فإن الظروف السياسية لأجزاء كردستان الأخرى، قد حالت دون وصول أصوات الشعراء الآخرين من كردستان إلى الأكراد بشكل عام؛ كان هناك في  جنوبي كردستان، من الشعراء من ارتقى بالقصيدة الكردية نحو أفق أخرى في الحداثة منذ السبعينات والثمانينات، مثل عبد الرحمن مزوري ومؤيد طيب ومحسن قوجاني، وفي شمالي كردستان فإن دور الشاعر روزن برناس لا ينسى أيضاً.

وكما نلاحظ فإن تأثير أحمد الحسيني قد بدا واضحاً في السنوات الأخيرة، على من تلاه من الشعراء الشباب.

في خمسينية الشاعر القدير أحمد الحسيني، لا يسعني إلا أن أتمنى له حياةً مديدة، عامرة وسعيدة، وآمل أن يعود إلى كتابة الشعر، ويتحرر من التكرار الذي كان في السنوات الأخيرة.

سيبقى أحمد الحسيني شاعراً مهماً في مجال الأدب وكتابة القصيدة. نكهة قصيدته وكلماته المتقنة تفتح دروباً  للتعبير الجريء والجميل، بين الأشواك والمصاعب.

السويد. غوتنبورغ 2005

www.tirej.net

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق