ديالا علي: دون الإفصاح عنه.. الاستفزاز العاطفي يهدم حياة الكثير من النساء

بقلم : ديالا علي
تقول الدكتورة الكاتبة نوال السعداوي: “لو أُغلِقت علىّ أربعة جدران عالية مع رجل لا أريد أن أعطيه لمسة واحدة من يدي فلن أعطيه.
و إذا أردت أن أعطي الرجل نفسي فسوف أعطيها له أمام العالم دون تلصص أو اختلاس”.
يعتبر الاستفزاز العاطفي من الجرائم الشعورية، التي يلجأ إليه بعضهم للسيطرة و التسلط على الآخر، و ذلك حسب درجة القرب و العلاقة الشخصية بينهما، و له أنواع عديدة، منها العقاب، العقاب الذاتي، المعاناة، و التعذيب.
يتميز كل نوع من هذه الأنواع بالتلاعب العقلي و المشاعري بالآخر، و تكون الأنا هي المسيطرة الكلية، حيث يرى الشخص الذي يبتزّ بأن له الحق في التحكم بمشاعر الغير، و إقناعهم بوجهات نظره، حتى لو كانت تلك القناعات خاطئة، كالأم التي تلعب دور الضحية لإقناع ابنها في أمر ما، و الحبيب الذي يتلاعب بمشاعر شريكته لتلبي له متطلباته، و الصديق الذي يسخر من أفكار صديقته لإعلاء منطقه في النهاية.
و لدى النساء العديد من القصص في هذا الصدد، سواء في علاقات الحب أو العلاقات الزوجية، ففي تلك القصص، هناك كمية كبيرة من الوجع و الألم المدفون في ذاكرتهن، دون امتلاك شجاعة كافية للإفصاح عنها،لأننا نعيش في مجتمع شرقي يفرض علينا عاداته و أعرافه قسراً. في العلاقة بين الرجل و المرأة، تكون المرأة هي الأكثر تضرراً، في كل حدث تكون فيه، لاسيما عند دخولها في علاقة عاطفية مع رجل تظن إنه كل حياتها، إذ تقدم له كل شيء تمتلكه بحكم عاطفتها الفيّاضة. تثق به كل الثقة “ثقة عمياء” دون النظر إلى النتائج المترتبة عليها، ظناً منها بأنّ الذي تفعله، بموجب فطرتها، هو الصواب و الرجل الذي تبادله كل تلك المشاعر و الأحاسيس يستحق ذلك، لكنها تصطدم في النهاية بكمية التناقض لديه، حيث يغطي تصرفه تحت عباءة التحضر و الانفتاح، بينما تكون أفكاره و آراؤه بدائية، بعيدة عن التحضر و المدنية، حيث يعيش حالة تناقض كبيرة بين سلوكه و أفكاره، و نظرته إلى المرأة تحمل في طياتها الانحطاط و الاستهتار و التنمر .
الاستفزاز العاطفي في العلاقات العاطفية بين الرجل و المرأة كثيراً ما نشاهده في واقعنا هذا، حيث تكون المرأة وحدها الضحية بحكم تقديمها لتنازلات عديدة على حساب صحتها النفسية و حياتها العملية. لأن الرجل يرى نفسه دائماً مالك الشيء، و من حقه التحكم به دون تقديم أي تنازلات، متّبعاً في ذلك أساليب لا أخلاقية، بعيدة كل البعد عن الثقافة الإنسانية، كالابتزاز العاطفي الذي بدوره يدمر حياة الشريك و يستنزف كل طاقاته.
تقول إحدى النساء المعنفات عاطفياً: “كنت أقدم لشريكي كل ما يريده حتى وصل الأمر بي لتقديم تنازلات جنسية فقط لإرضاء غروره إلى أن اكتشفت لاحقاً عند انتهاء علاقتنا، بأن كل ما كنت أقوم به كان كذبة أضحك بها على نفسي، لأبقي ذلك الرجل في حياتي، ذهب دون تقديم أي مبررات عن سبب رحيله، و هذا الأمر كان الأكثر ألماً بالنسبة لي. بقيت ليالي عديدة مرهقةً كئيبةِ أفكر بسبب رحيله المفاجئ، هذه الحادثة بقيت راسخة في ذاكرتي حتى يومنا هذا مع الكثير من المشاعر المرافقة له، كالشعور بالذنب و النقص عن رفض شريكي لي”.
أيضاً رواية ريم ذات الثامنة عشر عاماً، تلك الفتاة البريئة التي لم ترَ من الحياة سوى رجل تعرفت عليه عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي لتكون هذه المعرفة سجناً أبدياً لها مدى الحياة. تقول ريم: ” عندما تعرفت على أحمد كانت علاقتنا جيدة في البداية، و لكنها تدهورت بسبب متطلباته المتكررة، كان يطلب مني دوماً بأن أرسل له صور عارية لجسدي بهدف إشباع رغباته الجنسية و يهددني في كل مرة أرفض له هذا الطلب. جحيم هذه العلاقة إلى الآن يرافقني، لكن بفضل الله و أحد المقربين مني استطعت التخلص منه”.
تقول مريم: ” أرتبطت برجل أكبر مني سناً لأعوض به حنان والدي الذي فقدته و أنا طفلة، كان يهتم بي أشد الاهتمام، كما لم يرفض لي يوماً أي طلب، و لكن عقليته المتسلطة و رغبته الملحة في تغيير شخصيتي و تبني قناعات لا تناسبني كانت تزعجني و تشعرني بحالة اختناق دائمة”.
عن تجربة لمياء المرأة المتزوجة التي لديها أربعة أولاد تقول:
“بعد زواجي بعدة أشهر إلى الآن، و أنا أتعرض للعنف الجسدي و اللفظي، لا أستطيع التحدث حول هذا الموضوع مع أحد، لقد حاولت جاهدة الحفاظ على عائلتي رغم الظروف المأساوية التي أعيشها على حساب أعصابي و صحتي. أتذكر في كل مرة كنت أزور فيها بيت أهلي كان أخوتي يوبخونني و يعيدوني إلى زوجي و يستسمحون منه رغم سلوكه الوحشي معي”!
التهديد، التعنيف العاطفي، الاستهزاء، و التقليل من قيمة الشخص المقابل من أفظع الممارسات التي تتعرض لها النساء، سواء كن متزوجات، مرتبطات أو تعشن في ظل أسرة، لذلك دواء هذه المحنة العصيبة و القاسية هي المواجهة و عدم التخلي عن شخصياتنا التي بنيناها بكدنا و جهدنا، و الأمر الأهم من كل هذا هو تعلم قول كلمة “لا” . إن القدرة و امتلاك الشجاعة على قول كلمة ( لا ) ستجعلنا نستطيع بناء مسافات آمنة بيننا و بين الأشخاص المحيطين بنا دون التعرض للتعنيف، الاضطهاد، و كذلك فهم المشكلة و التعامل معها بوعي تام دون تجنبها أو إهمالها.
إن حماية أجسادنا، أفكارنا، و مشاعرنا هي مسؤوليتنا نحن من ندير أنفسنا، القرار الأول و الأوحد يجب أن يكون نابعاً من ذواتنا و لا نسمح لأيّ كان أن يتجاوزنا بغاية الحرص و المحبة.
“من يحبك يستقبلك كما أنت دون محاولة تغييرك، فالمحبة غير مشروطة و لا تقبل الانقسام و الازدواجية”.