نوزاد جعدان: الشعر الكردي.. حامل لغوي أساسي لتاريخ الكرد وثقافتهم

نوزاد جعدان – شاعر كردي

يعد الشعر الكردي لسان حال أمة ووعاءً تاريخيًّا يحمل ما مرّ على هذا الشعب من أحداث وقصص، وله جذور ضاربة في القدم، ويتألف الجزء الأعظم من بدايات الشعر الكردي من ملاحم بطولية وقصص تصف البطولات ومكارم الأخلاق، في استحضار الفولكلور والثقافة الكردية الشفاهية؛ لذلك يعد الشعر أبرز حامل لغوي أساسي للتاريخ الكردي وثقافته.

تُنسب جذور الشعر الكردي إلى الشاعر بابا روخ همداني الذي توفي عام 841م، وهو يُعد أول شاعر ألّف شعرًا بلغته الأم الكردية، يقول في أحد نصوصه الثائرة التي تدعو الشباب إلى مواجهة عدوّهم: «حمل أسلحة باترة\ ومهاجمة العدو كالأسود\ والانتصار عليه\ لتكون بلاد الكُرد\ ربيعًا خالدًا».

كان الشعراء الكلاسيكيون في تلك الحقبة ينحون إلى الاتجاه السائد والمزاج الصوفي الذي كان مسيطرًا على الشعر الفارسي والعربي، وكان من بينهم العلّامة علي ترماخي (935- 1010م) الذي وضع كتابًا في النحو والصرف العربيين باللغة الكُردية. وكان ترماخي شاعرًا ورحّالة يجوب البلدان؛ وهو ما أهّله إلى كسب معرفة واسعة وعقلًا ثقافيًّا راشدًا، كما كان شاكيًا في قصائده من حال الدنيا زاهدًا في دنياه يقول في أحد نصوصه: «آه كم شقي الفلاح ومضى\ على هذه الأرض بذر الحبوب وانتظر\ وحين أينعت سنابله لم ترَ فمه»، (إشارة إلى موت الفلاح). ونجد في هذا النص ما يتقاطع كثيرًا مع الشاعر الهندي زوق في إحدى قصائده «غزل» التي تحمل نفس المعاني والشكوى في القرن السابع عشر الميلادي.

ويعدّ بابا طاهر الهمداني الذي ولد عام 1010م أول شاعر كُردي دوّن رباعيات شعرية كُردية، ويعدّه بعض النقاد أبا الشعر الكردي، وراوحت أشعاره ما بين الغزل والشكوى والحكمة. وعاصر الشاعر بابا طاهر الهمداني كثيرًا من الشاعرات الكرديات من أبرزهن «جلالة خانم لورستاني» التي نظمت قصائدها على شكل رباعيات.

نسج هؤلاء الشعراء قصائدهم بلغة رصينة وسليمة متمكنين من البدائع والزخارف وأدواتهم الشعرية، وكتب معظم هؤلاء الشعراء قصائد الملمعات التي تتألف من عدة أبيات شعرية بحيث يكون صدر البيت بالكردية والعجز بلغة معينة، وينبع ذلك من حرصهم على تقديم نتاج يصل إلى أكثر من شعب، ناهيك عن إجادتهم اللغات التركية والعربية والفارسية، وربّما سَبق هؤلاء الشعراء الشاعر الهندي أمير خسرو في القرن الثاني عشر الذي كتب بالأردية والفارسية والبرجية، ومضى على منوال هؤلاء الشعراء.

وبعد حقبة من الزمن يطل علينا اسم من ألمع أسماء الشعراء الكرد، وهو ملاي جزيري؛ عالم ومتصوف ديني كُردي، ويحتوي ديوانه على إحدى وعشرين قصيدة بعد المئة، يغلب عليه طابع الغزل والعرفان والفلسفة، ورُتِّب الديوان كالعرف الدارج حينها بين الشعوب بدءًا من باب الألف ثم باب الباء إلى آخره، وامتاز شعره بتذييل البيت الأخير في القصيدة باسمه خوفًا من ضياع القصيدة أو نسبتها إلى شاعر آخر، كان الملاي جزيري بارعًا في قصيدة الملمعات، ويتقن التركية والفارسية والعربية إضافة إلى الكردية، ويشبه إلى حد كبير المتنبي وبخاصة في قصائده التي يعتدّ فيها بنفسه، ويبدو في مقطع القصيدة التالي المزج بين العربية والكردية والفارسية حيث يبدأ صدر البيت باللغة الكردية ليكون العجز بالعربية، ويعود للكردية، ثم الفارسية:

Dizanî rûd û ʼûd ewwel Çi tavêtin surûd ewwel

«كه عشق آسان نمود أول ولي أفتاد ئي مشكلها»

وللأمانة الأدبية استخدم ملاي الجزيري التناص الشعري، فوضع شطر الشاعر الفارسي حافظ شيرازي بين قوسين، كما أورد اسمه في البيتين الأخيرين، مستخدمًا بدائعه اللغوية باللغتين الكردية والعربية من طباق وجناس، كذلك أقحم الشاعر ملاي جزيري كلمات عربية وفارسية وتركية ضمن السياق الشعري الكردي، ووظفها بطريقة تُحافظ على موسيقاها وتُخرجها من بنيتها التقليدية من دون أن يخرج عن فضاء ثقافته وبيئته الكردية.

استخدم ملاي جزيري نمطًا جديدًا في القصيدة الكلاسيكية، فكان يبدأ بعض قصائده بافتتاحية مكوّنة من بيتين لهما القافية والوزن نفسهما، وتختلف عن باقي القصيدة التي تتوحد بقافيتها، وعادة ما يكون مطلع القصيدة غزليًّا. وتتكون مفرداته من استعارات وكنايات شاعرية كأن يشبه قلب المحبوبة بعش الطير، أو سخرية القدر بالرعد، أو المعشوقة بالعندليب، وكان منفتحًا على المشاهد الشعرية السائدة في حينها، فاستخدم الموشح وبخاصة الزنجير المكون من خمسة مقاطع، والقافية الحرة المقطعية إلى جانب الرباعيات، وميله الواضح إلى البحور الصافية وبعض البحور الكردية الصرفة مثل تفعيلات «فاعلاتن فاعلاتن مستفعلن» ونجد أن هذا البحر يسمى لاحقًا في شعر الأوردو بالبحر الجديد، ومن اطلاعي على ديوان الشاعر الهندي ميرزا غالب أجد قواسم مشتركة بينه وبين الملاي الجزيري في طريقة الوزن والغرض الشعري. وإن قارناها بالبحور العربية نجد بحرَي الهَزَج والرَّجَز يتألف كل شطر منهما في الشعر الكردي من أربعة تفعيلات، وهذا يعود إلى خصوصية تركيبة الجملة الكردية، فالألفاظ تتواكب في وحدات ترنيمية بسياق إيقاعي سريع تسد الحاجات الوجدانية.

* نوزاد جعدان، 1984 شاعر وكاتب سوري معاصر، ولد في 13 مايو 1984 بمدينة دمشق من أسرة كردية سورية، تقطن في شمال محافظة حلب، في قرية ماسيكان براجو، والده الأديب جعدان بكر جعدان، درس الإعلام في الجامعة السورية وتخرج عام 2008، يعمل كصحفي في إمارة الشارقة.

المصدر: مقتطفات من مقال للكاتب والشاعر نوزاد جعدان

https://www.alfaisalmag.com/?author=228

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق