تلك هي أميّ

د.جوان حمي
١
أمي لم تكن تملك من طول القامة الكثير، الماسورة الصينية الصنع الخاصة بقياس الأطوال،تقيس فقط١٥٠سنتمتراً، ويضاف إليها من عمري الفتي ٥ من السنين ،فتصبح قامتها ١٥٥سم،و هذا كان كل ارتفاعها عن الارض،كانت لاتحب الطول،حتى لا يبتعد قلبها عالياً بعيدا عن قلوبنا الغضة ،كانت تريد ان يخفق قلبها أبدا بمحاذاة قلوبنا الطرية.
٢
أمي الأومرية ،الشمالية،ابنة الملا الكوردي ،عاشقة اللغة العربية،المبدعة في زمزمة القرآن،كانت تكرهُ الحربَ،تحبُ الحياةَ،
لشّدةِ حُبِّها للحياةِ؛ اختارَتها السماء لتروي لها،هناك ، قصة الحياة.
٣
الجميع يرحلون لكن فقط الغزالات يرحلن إلى السماء ؛ وأمي كانت غزالة.
٤
لم تكن كئيبة،كانت تحب الحياة،بضحكات خَجِلَةٍ تليق بابنة الملا،تبرعت بضحكتها الأخيرة لفرح ايامنا الموعود فقاربت بذلك زاد الحياة و أساسها .
٥
و هكذا،
لأنَّ التي أَنْجَبتْني،كانتْ ملكةً
و التي رَبَتْني ،كانَتْ،ولا زالتْ ملكةً ؛
صِرْتُ أرى النساء جَميعهنَّ أميراتْ.
٦
و أدفعُ عمري كله ،لقاء قبلةٍ أخرى منها :
جميع صوابين الغار ،
و لاحقاً ، كل سوائل التعقيم، في المشافي، التي عملْتُ فيها :
تدحرَجَتْ،منهزمةً،أمام متانة قُبْلتِها ،
أربعون عاماً ، ولم تستطعْ كل المطهرات خلالها
إزالة قبلتها الأخيرة من على خنصر يدي اليسرى،
إنها قبلة أمي ،
أدفعُ عمري كلّهُ ، لقاء قبلة أخرى منها
٧
أدفعُ عمري -كله- لقاء دمعة صائتة أخرى من دموع أمي
٨
ما لم يتقنه الخياط الماهر ،فعلته أمي؛ كانت ترتئ ثقوب قلبي الصغير برقع من نبع دموعها، دوما كانت ترقع قلوبنا الصغيرة بقطع من جمال قلبها الكبير
٩
مؤخراً عرفت إنها كانت تقشر التفاح لنا ،دوماً ،كانت لا ترضى أن تزعج أسناننا الغضة، قساوة حتى كقساوة قشرة تفاح ،كانت تحب التفاح اخضراً، وتكرهه احمر بلون الدم.
١٠
كانت تملك من الأصابع عشراً، لكن من القلوب ألفأ، ومن الدموع بحوراً و يزيد.
١١
كانت أمي تقايض دموعها الصامتة ،و فرحي الصائت ،بخمائر كبدها ،كلما ازدادت خمائر كبدها ارتفاعاً،كلما زادت دموعها الصامتة و ألمها الصامت،احترق كبدها بألم الرحيل.
١٣
لم ينل منها الموت ؛ قاتلها الحقيقي كان رحيلها المبكر عنا .
١٤
ادفع عمري -الباقي منه- لقاء حِزِّ تفاحٍ آخرَ ، مُقَشَرٍ بيدي أمي.
*جوان حمي/ طبيب جراح وكاتب كردي من سوريا
المصدر:موقع نخيل عراقي www.iraqpalm.com