لم يكن للكُردي إلا الشعر والأغاني كي يُؤرخ مسيرته ..(ملايي جزيري) أنموذجا

بعد حقبة من الزمن يطل علينا اسم من ألمع أسماء الشعراء الكرد، ألا وهو ملايي جزيري عالم ومتصوف ديني كُردي، من جزيرة بوتان الواقعة في كردستان تركيا، حفظ القرآن منذ صغره ودرس علوم الشريعة والحساب والفلسفة. و يحتوي ديوانه على إحدى وعشرين قصيدة بعد المئة، يغلب عليه طابع الغزل والعرفان والفلسفة، وتم ترتيب الديوان كالعرف الدارج حينها بين الشعوب باب الألف وباب الباء إلى أخره، كما امتاز شعره بتذييل البيت الأخير في القصيدة باسمه خوفا من ضياع القصيدة أو نسبتها إلى شاعر أخر، كان الملاي جزيري بارعا في قصيدة الملمعات ويتقن التركية والفارسية والعربية إضافة إلى الكردية، ويشبه إلى حد كبير المتنبي وخاصة ف قصائده التي يعتز بها بنفسه، ويبدو في مقطع القصيدة التالي فيه المزج بين العربية والكردية والفارسية حيث يبدأ صدر البيت باللغة الكردية ليكون العجز بالعربية ويعود للكردية ثم الفارسية:
Heyata dil meya baqî Binoşîn da bi muştaqî
” ألا يا أيها الساقي أدر كأسا وناولها”
Dizanî rûd û ʼûd ewwel Çi tavêtin surûd ewwel
“كى عشق آسان نمود أول ولي أفتاد ئى مشكلها”
كما للأمانة الأدبية استخدم ملاي الجزيزي التناص الشعري فوضع شطر الشاعر الفارسي حافظ شيرازي بين قوسين ، كما أورد اسمه في البيتين الأخيرين حافظ شيرازي، مستخدما بدائعه اللغوية باللغتين الكردية والعربية من طباق وجناس :
Ji Hafiz qutbê şîrazî Mela fehm er bikî razî
Bi awazê ney û sazî Bibî ber çerxê perwazî
تُزد من حبها الصفوى به أهل الهوى نشوى
” متى ما تلقى من تهوى دع الدنيا وأهملها “
أقحم الشاعر ملاي جزيري كلمات عربية وفارسية وتركية ضمن السياق الشعري الكردي ووظفها بطريقة تُحافظ على موسيقاها وتُخرجها من بنيتها التقليدية دون أن يخرج عن فضاء ثقافته وبيئته الكردية :
Dîsa ji nû bêhal e dil Saqî werîn cama zucac
Muştaqê xemra al e dil Lê xweş-i anîbit mizac
Bê nûr û narê muhbetê Bê neqş û sun’ê qudretê
Naçîn meqamê wesletê Nûrun lena we- l-leylu dac
Ev narê sîqala dil e Da’im li wê qala dil e
Newroz û sersala dil e Weqtê hilêtin ew sirac
استخدم ملاي جزيري نمطا جديدا بالقصيدة الكلاسيكية فكان يبدأ في بعض قصائده بافتتاحية مكوّنة من بيتين لهما نفس القافية والوزن وتختلف عن باقي القصيدة التي تتوحد بقافيتها، وعادة ما يكون مطلع القصيدة غزليا. وتتكون مفرداته من استعارات وكنايات شاعرية كأن يشبه قلب المحبوبة بعش الطير أو سخرية القدر بالرعد أو المعشوقة بالعندليب.
كما كان منفتحاً على المشاهد الشعرية السائدة في حينها، فاستخدم الموشح وخاصة الزنجير المكون من خمسة مقاطع، والقافية الحرة المقطعية إلى جانب الرباعيات، وميله الواضح إلى البحور الصافية وبعض البحور الكردية الصرفة كتفعيلات ” فاعلاتن فاعلاتن مستفعلن ” ونجد أن هذا البحر يسمى لاحقا في شعر الأوردو بالبحر الجديد، ومن اطلاعي على ديوان الشاعر الهندي ميرزا غالب أجد قواسم مشتركة بينه وبين الملاي الجزيري في طريقة الوزن والغرض الشعري. وإن قارناها بالبحور العربية نجد بحر الهَزَج والرَجزَ يتألف كل شطر منهما في الشعر الكردي من أربعة تفعيلات وهذا يعود إلى خصوصية تركيبة الجملة الكردية فالألفاظ تتواكب في وحدات ترنيمية بسياق ايقاعي سريع تسد الحاجات الوجدانية .
Çehvên belek qewsên helek Çerx û felek xalib melek
المصدر: موقع رامينا نيوز