ديالا علي – جلد الذات عند النساء إلى أي حد وصل!؟

يعتبر جلد الذات من الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان نتيجة التقليل المتكرر من قدر الذات و لومها على الدوام كما تضخيم الأحداث و الأخطاء ليقوم الشخص بتعنيف نفسه جسدياً، نفسياً و ذهنياً للشعور بالرضا كما أن هذه الحالة ناتجة عن تعرّض الإنسان منذ الصغر للظلم و الإضطهاد غير أنّها ناجمة عن التربية المنزلية الغير واعية بالتعامل مع الأبناء و صب اضطراباتهم النفسية عليهم و قد يحدث هذا بوعي أو بدون وعي!
كما يُعرف جلد الذات أو تحقيرها بأنَّه حالة يُمكن أن تُلحِق الضرر بمن يعانون منها بطريقة تكون مقصودة من قِبل الأشخاص أنفسهم، حيث يكون الفرد مستمتعاً بهذا الضرر، و قد يكون الضرر معنوياً أيضاً من خلال لوم الذات بسبب اقتناع الأشخاص بأنَّ الأخطاء التي ارتكبوها لا تُغتفر.
أسباب جلد الذات عديدة كما ذكرنا سابقاً العائلة أو التربية الأسريّة هي العامل الأساسي في تكوين هذه الحالة عند الأبناء و عدم اتباع أساليب حديثة و أكثر مرونة في تحديد المشكلة و حلها! على غرار ذلك البيئة المحيطة بالإنسان له دور كبير في تقييمه لذاته و مدى التقبل الممكن إيجاده لدى أولئك الأشخاص ناهيك عن التفاعل الإنساني عند تعرض شخص ما لصدمة أو مشكلة فتلك الظواهر جميعها تشكّل شخصية الإنسان ذهنياً، نفسياً، مشاعرياً و جسدياً.
فمن أسباب جلد الذات أيضاً عدم امتلاك الشخص الثقة الكافية بنفسه و تكرار الأفكار السلبية التي قد تؤدي في النهاية إلى الإكتئاب أو الإنطوائية ناهيك عن فقدان الأمل و سوداوية الحياة في نظر الشخص المصاب!
الأمر عند النساء يختلف عن باقي المكونات الأخرى و خصوصاً في البلدان النامية و المقيدة للحريات ففرص التعبير و ممارسة الحياة بشكلها الطبيعي التي تتناسب مع القيم الإنسانية قليلة جداً و في بعض الأحيان تكون معدومة.
من هذا المنطلق نجد غالبية السيدات و الفتيات يعانون بطرق متفاقمة من هذا المرض المدمر لعدم وجود داعم أساسي سواء كان في الأسرة أو أماكن العمل و الأوساط الإجتماعية المختلفة! فجلد الذات عند النساء أمر تجاوز الأرقام القياسية عند الأطباء النفسيين ممّا يرافقه سلوكيات عدائية تجاه أنفسهم و المحيطين بهم! فمن الأمثلة الأكثر قسوة تجربة زينب في التعامل مع هذه الحالة.
زينب سيدة ثلاثينية من العمر غير متزوجة تعيش مع عائلتها في ظل ظروف اقتصادية صعبة، تقول إنَّ أكثر الإمور التي أثرت على حياتي الإجتماعية و المهنية و شكّل لديّ هاجساً منذ الصغر إلى اليوم هي المعاملة القاسية التي كنت اتلقاها من والدتي تحت أنظار والدي دون أن ينطق الآخر ببتّة!
كانت على الدوام توبخني و تعيرني على أبسط الأمور حيث تقلل من عزمي و تقارنني بقريناتي حتى وصل الأمر إلى الضرب على أشياء لا تستحق دون الاستماع إليّ أو فهم وجهة نظري.
نظرات والدتي و ملامحها عند التحدّث و التوبيخ لا استطيع نسيانهم! لربما تكون غير مدركة للأمر و لكن تركت في نفسي وصمة و لطخة إلى الأبد.
في الكثير من الأحيان كنت أرغب في الإنتحار و لكن ذلك البصيص من الأمل الذي كان يدخل من ثقوب نافذتي في كلّ مرة يزيدني تشبثاً و ارتباطاً بالحياة.
لم أرى الإحتواء من المقربين لذلك كنت أعيش في حالة رعب دائم من جسدي و مشاعري، لم يكن في وسعي التعبير عن أفكاري ظناً مني أنها غير جديرة بالبوح و لن تلقي أي اهتمام! كانت ثقافة حب الذات و تقديرها لدى والدتي و والدي معدومة على عكس ثقافة العطاء المفرط و تلبية احتياجات أخوتي دون النظر إلى احتياجاتي ومتطلباتي حيث كان أمراً مرفوضاً و غير محبّذ به و يعتبر أنانية و اجحاف في حق الأسرة.
لا أستطيع تجاهل المرات التي قامت بها أُميّ بإخبار والدي عن تصرفاتي و لباسي الذي كنت أرتديه عند الخروج كما حديثي الغير لائق في أمسية ما سراً و بدافع التحريض ليأتي والدي بعدها بإذلالي و تحقيري و من ثمَّ ضربي أمام أعين الجميع!
كثر هي الأوقات التي بكيت فيها لوحدي، عشت مشاعر مختلطة بين أكوام من التناقضات و الأحداث السلبية، هذا النمط من التفكير أصبح عادة بل إذْ أصح التعبير أصبحت مزروعة في كينونتي و نموذجاً لحياتي الآنية على الرغم من الدرجات العلمية التي حصلت عليها و الوعي الذي اكتسبته خلال رحلتي الحياتية. لا استطيع إلى اليوم التخلص من جلد ذاتي و كرهها على أشياء ليست لي يد فيها!
الأمر الذي يرعبني حقاً هو مرحلة الزواج، هل سأصبح نسخة عن أبواي و أتعامل مع أطفالي بنفس المعاملة التي تلقيتها؟!
أم أنّ الأمر سيكون مختلفاً!؟
تقول زينب كنت لوحدي كثيراً، أمشي في الظلام الدامس، أسمع أصواتاً تناديني، تحدثني بصدق عن نفسي، تحبني و تغفر لي، كانت هذه الأصوات حرّة حد البراءة، حد الطفولة و حد الإنسانية. تهمس في إذني لتقول بأنني أنظف و أطهر إمرأة على الإطلاق! كنت أسمع همساتها في الخفاء لتطمئنني و تذهب بعدها إلى أجل غير مسمى!
تلك الدندنات المريحة كانت زينب الحقيقية!
صوتي الداخلي الذي أبى التخلي عني!!

حين تعتقد أنَّ الكون يتواطئ مع حزنك و أنَّ الأشياء تتوقف لأجلك، أنت شخص ساذج!
فلا حزنك سيغلق الأسواق، و لا ألمك سيجعل بائع الخبز يتوقف، و لا بكاءك سيترك شمسنا دون شروق؟ أنت تحزن _ تتألم _ تبكي لوحدك مها كان حولك من كثير ستكتشف في لحظة أنّك أعز صديق لنفسك فحسب!
اختصر ذلك و كف عن جلد الذات!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق