محمد عفيف الحسيني: الفاكهةُ المجفَّفةُ

محمد عفيف الحسيني: الفاكهةُ المجفَّفةُ
ثمت تخوم، هي تخوم البزوغ؛ تغوي بجهاتها ـ جهات ملآى بالكردية الكسيرة العنيفة والرقيقة، لتكونَ فضةً وحناءً ونرجساً وبذرةَ رجلٍ وثمرةً ـ ليكنِ التينُ مجففاً، ليكنِ المشمشُ المجففُ تحت كتان صيف عامودا ودياربكر وهولير ومهاباد، مشمش الأنثى الكردية، وهي بلسانها الأَرَقِّ، بلسانِ الأيوبية الكسيرة، التيمورية الكسيرة، الأردلانية الكسيرة، الحسينية القتيلة. وبرهطٍ من البنفسج يذبل على أصابعهن الشاعريات.
بنفسج في تربة كردية، نرجس في تربة كردية، وحناء على كاحل كرديات.
وسَرَحانٌ أبدي: قراءة الترجمة، ترجمة الشعر في بزوغه الحذر المجفف؛ (هن فاكهات مجففات)، إذن، كان يقول شيخي، الشيخ عفيف، عن القصائد المترجمة: ماه شرف خان، غابرييللا ميسترال، آنا أخماتوفا، وربما الآن جومان هردي، آخين ولات، جانا سيدا، وزيلا حسيني. هن فاكهات الشعر الكردي، لكنْ، مجففات في الترجمة. أترجمة الشعر هو تجفيف، على سطح كردستان؟ أهو النسْخ على سطح كردستان، مثل التين والمشمش وعصير العنب وأشغال زهر الختمية (Hiro) ـ هي أقراط الأنثى في بزوغ الربيع ـ،؟ يقيناً نعم، تتحول اللغة/ الكائن إلى برونز بقدمين جفلتين مزرقّتين عجولتين من بحيرة وان، إلى تخوم “حجلنامه”/ الجسد اللغوي الآخر في دورة الشقيقة؛ شقيقة الفاكهة المجففة. على الوقت الأنثى الحيران.
هي ذي تخوم حجلنامه، في عددها الخاص.
القصُّ، هو أيضاً، الحكاية، الشعر الشعبي، الإيروسية، الأسطورة، الرسم، الغناء، الرقص، وخديجة ـ حفيدة ماه شرف خان كردستاني، بعد قرنين من الزمن ـ، كيف يمكن نقْل ذلك، دون الأذى. الأذى لزجاج رقيق مثل أنفاس القتيل الأخيرة. خيال كردي في خزانة اللغة العربية، خيال أنثى، خيال مسكون بالنرجس والحناء التاريخ.
***
السيد الكبير، “حسين حزني موكرياني”، صاحب أول مطبعة كردية ـ كانت في حلب 1915 ـ، أخرج من حبر ألماني ومطبعة ألمانية، دواوين كردية من شعر كلاسيكي منوّر؛ بعده جاء السيد الكبير الآخر الأمير جلادت بدرخان في الشآم، فكان جكرخوين عام 1945، وما بينهما، لم يكن من إسمٍ إنثى، من إسمٍ مجدولٍ بتدبيرِ مطابقة المعنى يترقرق أنثوياً؛ حتى العام 1992، أول ديوان بالكردية لـ “ديا جوان”، نفسه الزمن يستدرج الشقيقات في كردستان العراق، بعد الانتفاضة. بدا الأمر مختلفاً كلياً في كردستان إيران: هي ماه شرف خان، قبل قرنين كانت. وفي كردستان تركيا ـ الفراغ الكبير في هذا العدد ـ ندرة الشاعرات، والشذرات التي استطاعت “حجلنامه” في الحصول عليها (بوكيي زمين، زحل بيكم، فاطمة سافاجي، وكلاري أرسوي)، لاتشي بمقدرة أنثى شاعرة، أنثى تدوّن الحقل الأبدي لخيالها المذبوح، أهي الأيديولوجيا الصارخة، جفَّفتْ لسانَ الأنثى في رقعةٍ كرديةٍ شاسعةٍ؟!.
***
فاكهةٌ أنثى، فاكهةٌ لوعةٌ، فاكهةٌ انخطافٌ، فاكهةٌ كتبٌ خيالٌ كثافاتٌ، فاكهةٌ مجففةٌ، يقول جُُلساءُ الشيخ، في عامودا.