محمد أمين عليكو: يوميات عفريني

كانت تتحدث بثبات بالغ، وبإيمان عميق، في صوتها تحدٍ وصمود ، كانت تقول:

“بنو”

 ” لا أريد أن أدفن هنا ، لا أريد أن تبقى رفاتي هنا ، لا لا .. إنها سلاسل التهجير تحيط بي”.

 صرخات بعيدة تنادي …

  ” لا نقبل، لا نسمح، لا يمكن، بل من المستحيل أن  يستمر هذا الوضع هكذا ، سينهزم أصحاب الرايات السوداء ، لن تتحقق أحلام السلطان المغولي على جسد وطن الزيتون ، سيبقى عبق الريحان والنرجس عالق بنا ، رغم الإرهاب العثماني”.

أجابت : ” أعلم ذلك جيداً، لكن لا أريد أن أموت هنا أو هناك ، لا أريد أن أبعث في أي منفى تحت أي خيمة أو سقف بيت محطم  ، لأنني سأكون مضطرة بأن أسير طويلا إلى وطن الزيتون وأحمل على كتفي نعش أحبتي ، لا تتركني أموت غريبة هنا  في وحل

/ بنو / ” .

لا زلنا في منتصف الطريق لازلنا نسير بين السطور لا يزال لنا حكايات مع شجرة الزيتون والرمان ، لايزال هناك شيء عالق بالنفس من قصص هاوار وليلون لم نراه ، ولم أحدثك به …!

هل تعلم، هنا في وحل  / بنو/

 العفريني ” يدفن أحبته في حفرة مع تابوت محصن ومحكم لا يفتح ولا يدخل أي شيء إليه حتى دودة الأرض و لا أنكر ولا نكير لأن يوم الحساب والقيامة سيكون في عفرين “، لأن من يبكي تحت ظل شجرة الزيتون ، يموت تحتها أيضاً، وأنا لا أريد أن أموت هنا، لأنني أريد لحياتي أن تنتهي هناك بين الزيتون وفي أحضان نبي هوري، وصيتي حين أموت أعدني إليهم … إنهم أهلي و أريد أن أُبعثَ في قيامتي معهم  ‏أريد أن أعيش حتى أراها – عفرين – وأعانق ذكرياتي وأحلامي، فأنا أمارس كل طقوس الرحيل إلى السماء في بعدي عن عفرين وجباله وعطر ترابه ، من حقي أن أعيش في وطني بحرية ولادتي ، لا أحد يستطيع سلب حريتي وأرضي ، رغم قساوة الحياة هنا ، دائماً هناك أمل في التحرير والعودة وستشرق شمس الحرية من جديد على ” جيا كرمنج ” ستنتصر الانسانية على الارهاب التركي ، وستبقى عفرين شامخة وسترفع راية الأمن والأمان والسلام ، بهذه الثقة المطلقة واليقين الكامل ، سأعود الى مسقط رأسي حيث تاريخي، ولن أدفن هنا في وحل بنو ، وإن مت هنا أعيدوني الى عفرين هذه هي وصيتي و وصية كل عفريني لا يتمنى دفن جسده في وحل بنو.

سنبقى معا إلى أن تتحرر عفرين وتجدل شعري بحنة غار آفرين وتصنع لي تاجا من أغصان الزيتون والرمان ونركض بين غابات كفرجنة وأهمس لك أحبك وسنبقى بعدها للأبد نحن والحرية…. يشهد لك الزيتون والبندقية وحكاية وطن نسجت في خيوط شلوار و الكوفية جبال / راجو و بلبل ، جنديرس ، شيه ، شيراو ، شران ، ماباتو/ 

من الروح إلى الروح نداء بعيد عميق من بطن الذاكرة …

‏هذه هي حالنا كلنا ….”. وبهذه الكلمات انتهى الحديث الروحي بين

عائشة وكاركر .

“بنو “

نعم هذا اسم لا يعلم لغزه سوى العفرينين…؟!!

” بنو ” هي إشارة إلى قطع أرض تقع في آخر حي الشيخ مقصود القسم الغربي ، تمسى ” كوندة بنو”

التي تحولت إلى مقبرة، للأهالي المنطقة ، ولكن بالنسبة للمهجرين عفرين الوضع يختلف تماماً..!

يتبع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق