الأَسَفلْتُ رحيمٌ جِدّاً

محمد عبد الله صالح _ مصر
لِلأَسفلتِ رائِحةٌ غريبةٌ
عرَقُ ٱلمارِّينَ وبكاؤُهم
وضعفُ ٱمرأَةٍ تَنذُرُ ما لَديْها لأَطفالِها ٱلْجَوْعى
و دَروِيشٌ يَخْطُو ساحَةَ الذِّكر
يناشِدُ الرَّبَّ
ياربُّ….. أنا هُنَا
ومُسِنٌّ يُلْقِي بِضاعَتَه
وبلاَ قلقٍ يَنَامُ
للأَسفلْتِ قلبٌ لَا يحْمِلُ لونَهُ
رُغمَ الدِّماءِ المُتناثِرةِ
إلاّ أنَّه لا علاقةَ لهُ بهَا
لم نسمعْ يوماً أنَّ ذَبحَ أحداً
أو فجَّرَ قنبلَةً في سوقٍ شعبِيٍّ
أو ٱشترَكَ في مؤامرَةٍ مع مَجهُولين
ضحيَّةٌ هوَ الآخَرُ
قدْ تُصِيبه بعْضُ الجُروح
وقد تَتفتَّت أَحشاؤُه
قدْ يَراهُ البعْضُ غيرَ مُبالٍ بما يحدُثُ….
إلا أنَّه يتألَّمُ مثلَما نَتألَّمُ
نحنُ يضْحكُ مثْلما نضحكُ
نحنُ يُفْرِغ ما بِجعْبَته من صُراخٍ مثلَما نَصْرُخ نَحنُ…
الأَسفلتُ رحيمٌ جِدّاً بأَطفَالهِ
لا يُخرِجُهم عرَايَا
ولا يعبَثَ بدِمائِهم
ولا يزُجُّهم في صقيعٍ
يأكلُ ما تبقّى من عِظامِهم الباليَةِ
للأَسفلت نافذةٌ وحيدة
ٌ كمنْ يملكُ عيْناً واحِدةً
لا تكفيهِ لكيْ ينظُرَ إِلى ٱلعالَم
ولم يكُ مصابا ( بالنِّيكروفِيليا )
فيأخذَ الموتى تمتُّعاً بين ضِفَّتيه
ِ ليسَ قسوةً منهُ بل هُو مُجْبرٌ عَلى ذلك.
لم أرَه يوماً غاضباً يلاحقُ المارِّين بٱلسُّبابِ
والألفاظِ الخارجةِ
بل هادئٌ تماماً رغم ما يَفعلُه فتيةٌ مُسْتَهْترُون
حينَما يكْشِطون جلدَه
بدهسِ عجلاتِهِم الصّاخِبَةِ
يحملُ فوق ظَهرهِ قسوَةَ الحيَاة
وهزائمَها ٱلمُستمرَّةِ لا يشكو لأحَدٍ
ولاَ يُبدي ٱعترَاضاً
يمارِسُ طقوسَه ٱليوميَّةَ
بشكْلٍ مُعتادٍ مِن ٱستقبالِ ٱلشَّمس
إبَّان قدومها وحرارِتها
ٱلَّتِي قدْ تصهَرُ جلدَه
إلى أن تغيبَ مُوَدِّعةً إيَّاهُ مع وعدٍ بلِقاءٍ جَديدٍ