المثقف ضد السلطة ..مصطفى عبدو

لم يحدث أن قامت ثورة في التاريخ دون مثقفين، فقد كانوا دوماً هم الشرارة التي أشعلت الثورات.

وعليه فأن نظرة الجماهير معلقة دوماً على المثقف باعتباره (حبل نجاة) في أوقات الشدة فهو أفضل من يقوم بتمثيل معاناتها والدفاع عنها، كونه الوحيد القادر على إضفاء طابعاً متميزاً وأبعاد إنسانية لمعاناتهم وأزماتهم, وتقع المصيبة عندما تكتشف الجماهير أن من كانوا يعتبرونهم مثقفين وضد السلطة ومع الجماهير وبعد أن انزاح الغمام عنهم لم يكونوا سوى سراباًولا يرون أبعد من أنوفهم.. وأمثال هؤلاء كثر بين المثقفين السوريين على الأقل.

يرى المفكر الإيطالي (غرامشي) أن جميع الناس مثقفون ولكن وظيفة المثقف في المجتمع لا يقوم بها كل الناس. وهناك طبقة من المثقفين المنسقين المرتبطين مباشرة بالطبقات أو المشروعات التي تستخدم المثقفين في تنظيم مصالحها.

من جانبه ينظر الفيلسوف الفرنسي (جوليان بندا) إلى المثقفين باعتبارهم يملكون مواهب فائقة وأخلاق رفيعة ويشكلون ضمير الأمة؛ ولذا فإن عددهم قليل جدا. ويؤمن (بندا) بالمثقفين الحقيقيين الذين هم أقرب ما يكونون إلى الصدق مع أنفسهم حين تدفعهم المشاعر الجياشة والمبادئ السامية إلى فضح الفساد، والدفاع عن الجماهير وتحدي السلطة.

فالحديث عن المثقف والسلطة يطرح تساؤلات عدة منها هل أخلى المثقف مكانه في مجتمعاتنا؟

إن جميع الأنظمة القائمة وخاصة الشرق الأوسطية منها تسلب شرعيتها باستقطاب المثقفين وأدلجتهم وفق ما تتطلبه مصالحها. لكن باعتبار المثقفون أفراد تؤهلهم قدرتهم على التفكير والعيش في روح عصرهم وهم قادرون على توقع أسباب ما يجري وسيجري حولهم وبإمكانهم المساهمة عبر كلماتهم في بناء الرؤى وصياغة المفاهيم ووضع الأفكار والنظريات وتحليل الظواهر والأزمات والأحداث وإيجاد أفضل الأفكار وتمكينها لمصلحة ونفع المجتمعات فمهمة المثقف تقتضي أن يكون مع الجماهير ومع كل نفعٍ للمجتمع, لا أن ينساق وراء السياسات والمصالح الشخصية، عليه أن يمارس دوره وسط الجلبة في عملية بناء الأفكار ونقدها بحرية تامة دون أن يكون هناك رادع من سلطة أو حكومة لأفكاره، عليه أن ينتقد المجتمع والأشخاص والأفكار والسلطة، لكن بشرط أن يكون نقده بناء يساهم في طرح الإشكاليات والإجابة عنها وتقديم الحلول والانخراط في قضايا المجتمع دون الاكتفاء بمجرد التنظير.

بالمحصلة ،كلنا نعلم إن عالم المثقفين اليوم يزداد تسخيره لتلبية متطلبات السياسة والسياسيين, لكن ذلك يجب ألا يمنع المثقف من الارتباط بقيمه الحقيقية وألا ينسلخ عن واقع المجتمع، يجب ألا يُستغًل بل يَستغِل هذه العلاقة للتأثير على السياسة والسياسيين في الوصول إلى الأهداف المنوطة به، كونه ضمير المجتمع.

ويبقى هناك من المثقفين من نرفع لهم القبعة لتمسكهم بمواقفهم وبوقوفهم إلى جانب قضايا الشعوب والنطق بالحقيقة, ينطبق عليهم حديث (كلما سمعت كلمة المثقف تحسست مسدسي)… 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق