شيركو بى كس.. من أكثر التجارب الشعرية تميزاً في تاريخ الشعر الكردي المعاصر

حنان معمو

جيّش شيركو بيه كس في تجربته الشعرية كل أشكال التعبير الشعري من الملحمة حتى قصيدة اللمحة السريعة، ومن الأسطورة حتى الغناء البسيط، ومن الغرابة السوريالية حتى المشهدية السردية والحكائية.

ولد شيركو بيه كس في السليمانية في الثاني من أيار/ مايو 1940، لوالده فائق بكس وهو أحد الشعراء الكرد المشهورين، ومناضل وطني، كان من قادة انتفاضة السادس من أيلول/ سبتمبر1930، الذي كلفته السجن ثم الإبعاد إلى جنوب العراق.

النشأة واللجوء إلى الجبال

ورث شيركو بيه كس عن والده القصيدة والشعر والنضال، وعن والدته حب اللغة الكُردية، فأتت تجربته النضالية والشعرية مبكراً. فالأنظمة العراقية التي توالت حكم العراق اشتهرت بجبروتها وقسوتها وزرعت في نفوس الناس وخاصة الشباب الخوف وانعدام الطمأنينة.

وهذا ما دفع الكثير من الشبان إلى اللجوء إلى الجبل والالتحاق بالمقاومة الكردية في الجبل للدفاع عن العدالة والقضية الكردية. هذا ما حصل لشيركو بكس الذي التحق سنة 1965 بقوات المقاومة. وكتب في هذه البدايات قصائد لها علاقة بالمقاومة والوطنية متأثراً بالشعر العربي والشعر الفلسطيني بصورة خاصة.

في عام 1974 التحق وللمرة الثانية بالحركة الكردية للمقاومة وعمل في الإذاعة والإعلام، وبعد انهيار الحركة إثر اتفاقية آذار ما بين صدام حسين وشاه إيران عام 1975 عاد إلى السليمانية، لكن السلطات الحاكمة في حينها لم تمهله أكثر أشهر قليلة حيث أبعدته إلى محافظة الرمادي في غرب العراق، وقبع هناك تحت الإقامة الجبرية لمدة ثلاث سنوات.

في أواخر السبعينات أعادته السلطات إلى السليمانية وفي نهاية عام 1984 التحق للمرة الثالثة بالمقاومة الجديدة وعمل هناك في إعلام المقاومة وكذلك في اتحاد أدباء كردستان في الجبل.

عضو في أول برلمان كردي

في عام 1991 وبعد الانتفاضة الجماهيرية رجع الشاعر إلى مدينة السليمانية. وبعد عدة أشهر رشح نفسه على قائمة الخضر كشاعر مستقل فأصبح عضواً في أول برلمان كردي.

وعن طريق البرلمان أصبح أول وزير للثقافة في الإقليم وبقي في هذا المنصب سنة وبضعة أشهر ومن ثم قدم استقالته من منصبه بسبب الخروقات الديمقراطية فنشر استقالته ورجع مرة أخرى إلى السويد.

تطوره الشعري

هو شاعر الطبيعة وشاعر الإنسان، شعره هو عبارة عن حكايات صغيرة يؤنسن فيها الأشياء ويجعلها تروي عن أحوالها ومصائرها بلغة بسيطة وسهلة ترى في شعره لوحة أو مشهداً فيه مزيج من الشهوات والفرح والحزن.

بعد تجربته الأولى، وبعد أن تبلورت لغته وأدواته الفنية الشعرية تخلى عن القصيدة الحماسية السياسية، وبدأ في أواخر السبعينات كتابة القصائد القصيرة والمكثفة، ليتحول من بعدها إلى كتابة القصائد الطويلة أو الملاحم. وفي أواخر حياته بدأ يكتب نوعاً من القصائد يسمونها قصائد مفتوحة مثل نص “الكرسي” التي عادت إلى أصلها النباتي وأصبحت شجرة. ويقوم في قصائده المفتوحة بأنسنة الأشياء ويجسدها في صورة شعرية واضحة، بحيث أنه يصبح هو لسان الأشياء التي تشكل ذاكرته.

التفاعل الملموس مع التاريخ

ما يميز تجربة هذا الشاعر العظيم هو ذلك التفاعل الملموس مع التاريخ من خلال خلق الصور الذهنية للفكرة، والابتعاد عن الأفكار المتداولة، بغية إنتاج أفكار مغايرة وفق لحظتها الراهنة، لخلق درجة من التوتر التاريخي.

لقد جيّش شيركو بيه كس في تجربته الشعرية كل أشكال التعبير الشعري من الملحمة حتى قصيدة اللمحة السريعة، ومن الأسطورة حتى الغناء البسيط، ومن الغرابة السوريالية حتى المشهدية السردية والحكائية. ففي قصيدته ‘ضابط عادي’ يقول الشاعر:

عندما منحوه نجمة واحدة
كان قد قتل نجمة
وعندما صارت نجمتين
تحولت يداه إلى حبال مشانق
وعندما صارت ثلاث نجمات
ثم تاجاً
ثم رتبة أعلى
استيقظ التاريخ في صباح ما
فوجد البلاد مملكة أرامل .

أعمال وجوائز

نشر وباللغة الكردية منذ اصدار أول ديوان له عام 1968 وحتى أيامنا هذه أكثر والتي تتجاوز الـ(45) كتاباً مختلفاً، تضم بين دفتيها القصائد

القصيرة، والطويلة، والمسرحيات الشعرية والنصوص المفتوحة والقصص الشعرية.

نذكر منها: شعاع القصائد(1968)، هودج البكاء (1969)، باللهيب أرتوي (1973)، الشفق (1976)، الهجرة (1984)، مرايا صغيرة (1986)، الصقر (1987)، مضيق الفراشات (1991)، مقبرة الفوانيس، فتاة هي وطني (2011)..إلخ.

ترجم من العربية إلى الكردية رواية الشيخ والبحر لأرنست همنغواى.

ترجمت منتخبات من قصائده إلى عدّة لغات عالمية منها السويدية، الانكليزية، الفرنسية ، الألمانية ، الرومانية، البولونية، الإيطالية، التركية، والعربية وغيرها من اللغات.

تحققت للشاعر شهرة عالمية قلما تحققت لغيره، فنال عام 1988 جائزة توخولسكي من السويد، وفي عام 2001 منح جائزه بيرة ميرد للشعر في السليمانية، وفي عام 2005 حصل على جائزة العنقاء الذهبية العراقية.

وفاته

توقف عن النبض قلب الشاعر يوم الأحد 4/8/2013، في العاصمة السويدية استوكهولم، وذلك بعد معاناة من مرض السرطان عن عمر ناهز 73 سنة.

وتم نقل رفات الشاعر بعد حوالي أسبوع من وفاته، من مملكة السويد، إلى مسقط رأسه السليمانية، في طائرة خاصة، على نفقة رئاسة حكومة الإقليم التي عنيت به أثناء مرضه.

وشيع جسد الشاعر إلى مثواه الأخير في حديقة «آزادي» الحرية، بحضور مئات الآلاف من الشخصيات الرسمية والثقافية والشعبية، و تم إقرار إشادة نصب تذكاري له، أمام مؤسسة سردم للطباعة والنشر التي يديرها، بالإضافة إلى تسمية أحد الشوارع باسمه.

يعتبر الشاعر شيركو بيه كس، حالة أدبية وابداعية فذة لا مثيل لها، ويصعب تكرارها، ولا مهرب من الاعتراف به في عصرنا الحديث، كظاهرة شعرية من الطراز الرفيع النادر، فهو صاحب ميراث كبير من الأعمال الإبداعية التي تعتبر جزءاً أصيلاً من الأدب الإنساني العالمي. إنه باختصار شديد، من أكثر التجارب الشعرية ترجمة وفرادة وتميزاً في تاريخ الشعر الكردي المعاصر.

يقول الشاعر اللبناني شوقي بزيع: ومنذ قرأت شيركو بيه كس مترجماً إلى العربية شعرت، رغم الخسائر الناجمة عن الترجمة، بأنني إزاء قامة شاهقة تمثل في الشعر الكردي ما يمثله نيرودا بالنسبة إلى التشيلي ولوركا بالنسبة إلى إسبانيا وناظم حكمت بالنسبة إلى تركيا،  ومحمود درويش بالنسبة إلى فلسطين والعرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق