عبدالله عيسى ..نصوص

كلّ صباحٍ ،
أتسنّد على جسدي كي لا تقعَ الأرضُ بي ،
وأمسكُ نفسي عن احتساء فنجانِ القهوةِ السابعِ
كي لاأسقط في الطُحلِ ،
فيصدق ُ المنجّمون أنّي كنتُ أتألم في الحلمِ
الذي لا أتذكّر منه شيئاً سوى أنّني دخّنتُ كثيراً في انتظارِ دربِ عودتها .
كم كان هذا العالم سيغدو مملاً ،
ودون محضِ جدوى ، لو لم أكنْ موجوداً بالفعل.
وأنا أرتجّ من مشهدِ سقوطي المهلكِ من الطابق الثامنِ
في سلّة المهملاتِ الكبيرةِ التي اتسعتْ بالكادِ لنفايات متوسطي الحالِ نصفِ المستهلكة .
وأقول لنفسي شيئاً لا أفهمه إلا بعد تكراره مراراً أطرافَ النهارِ وآناءَ الليل ِ .
لو لم تكن أفكاري صغيرةً لما استطعتُ حملها معي كعلبة سجائر أنّى حللتُ ،
ولو لم أكنْ جباناً مثل كأس كريستال مكسور
لانتحرتُ منذ أكثر من ثلاثين عاماً ،
في الحلم على الأقل .
.. .. .. .. .. .. .. ..
أشبه بجرذٍ تائهٍ في سجن النساءِ تطارده
الشتائم والملابس الداخلية المتّسخة ، والأحذية.
وحدك الآن تقيس المسافة بين ظلّك المرتجف على الجدار
والضوء الذابل بين عينيك في الزاوية المعتمة .
ما الّذي تفعله الريح في جيب بنطالك الممزّق ،
المبلول بخوفك من لسان السجان الطويل ، وقبضتيه الكبيرتين .
ما الّذي كان يجعل المارّة في شوارع المدينة لا يعتذرون
كلّما ارتطمت أكتافهم مسرعة بصدرك النحيل ،
وأصدقاءك الطيّبين مثل نكتة ساذجة يبتسمون لدورية الأمن
الّتي اصطحبتك إلى حيث لا شجرة تصعد معها إلى النهر ،
ولا امرأةً تتبعها كلّ صباح لتندم في المساء
أنّك لم تقل لها : صباحك فلّ يا أميرة .
لا شيء هنا يدلّ على أيّ شيء هناك أيّها الحلزون الذي خلعوا بيته عن ظهره .
.. .. .. .. .. .. .. .. .. ..
أعرفُ الأنهارَ كلّها ما يعيشُ منها، وما قدْ ماتَ .
وأعرفُ أنّ قيامتَكَ الآنَ ستبقى
مثلَ أثرٍ لسُوطٍ ،
فيما الحقيقةُ في كلامِ الآخرينَ على درجاتٍ ،
لكنْ لاشيءَ أسمى من الحبّ على هذهِ الأرضِ .
عالمي المصلوبُ منذُ قرونٍ صارَ أكثرَ ضوءً.
قدرُ الجندي أكثرُ براءةً من مصيرِ قادتِهِ ،
وأنا الصاعدُ إلى السماءِ ، أؤمنُ
أنّ قلبَ العالمِ لم يبردْ تماماً.
أنتَ أعلى من الشمسِ
أنتَ أعمق من بحرٍ
أنتَ ستبقى معي وحدي
أنتَ صوتُ النصرِ
أنتَ أوسعُ من بذرةِ الإيمانِ.
أستسلمُ للحبّ مثلَ طيرٍ للندى
فلتكذبْ عليكَ المرايا .
لن يخدعَكَ الربّ.
أنتَ تتنفّسُ في رئتَيْ من تحبّ،
فيما تعيشُ السعادةُ المجنونةُ
في كتبٍ مهملةٍ على الرُفوفِ
بشقّ الأنفسِ تلهثُ خلفها ،
ولا تراها على هذهِ الأرضِ،
ماتزالُ غافيةً بين الغلافَينِ ،
نحن بينهما أعرفُ عن كلّ منهما ،
حين أسقط في شبكةِ العنكبوتِ .
وأرواحُ البشرِ الّذين من ورقٍ أسودُ من دخانِ المواقدِ.
لاشيءَ لاشيءَ أسمى من الحبّ على هذه الأرض.