من هم الأمازيغ وما أصل تسميتهم؟ نوميديا جرّوفي

يحتفل الأمازيغ كلّ عام في الثالث عشر من شهر يناير/ كانون الثاني برأس السنة الأمازيغية, التي بلغت عامها الـ (2966) اليوم، ويرمز هذا التّقويم إلى يوم انتصار الملك “شيشناق” الأمازيغي على الفرعون رمسيس الثاني، ومن ثمّ تأسيسه للأسرة الفرعونية الثانية والعشرين عام 950 قبل الميلاد، والتي استمرّ حكمها في مصر قرابة مائتي عام.

صحيح أنّ التسميّة محطّ اختلاف، وهو اختلاف مردّه إلى كون الحدث يضرب بجذوره العميقة في التّاريخ من جهة أولى، ثمّ لكون مختلف مظاهر الخصوصية الأمازيغية تعرّضتْ للطّمس بل والتّنكّر طوال قرون عديدة, من جهة ثانية.

لا يمكن أن يُشكّل التّاريخ الأمازيغي استثناء في هذا الباب. هكذا إذا وجدنا من يسميه ليلة “الناير” أو يْنّاير، في حين نجد من يعتبره رأس السنة الفلاحية، إلى جانب آخرين يطلقون عليه “ئض- سكّاس” أو “ئغف ن ؤسكاس” أو رأس السنة دون أية إشارة إلى السّنة المقصودة ونجد البعض الآخر يُسمّيه “حاكوزة”، هذا الاختلاف في التسميّة يقابله شبه اتّفاق على طبيعة الاحتفال و تشابه في الطقوس والوصفات المُعدّة لهذا الحدث.

إنّ السنة الأمازيغية إذاً كغيرها من التّقويمات تقويم حضاري مؤسّس على حدث تاريخي قديم، اتفق عليه الأمازيغ كغيرهم من الشّعوب رغم تبنّيهم للتّقويم الميلادي، وتعود بدايته إلى سنة 950 قبل الميلاد الذي يؤرّخ لحدث عظيم, حينما استطاع الأمازيغ دخول مصر الفرعونية بعد الانتصار عليها في معركة دارت وقائعها على ضفاف نهر النيل، وتولّى بعدها الأمازيغ سدة حكم مصر الفرعونية من خلال الأسر الثانية والعشرين، والثالثة والعشرين والرابعة والعشرين، وأسّس شيشناق إذاً الأسرة الثانية والعشرين والتي امتدّ حكمها من 950 ق.م إلى 817 ق.م، حيث تعاقب على حكم مصر تسعة ملوك ليبيين أو أمازيغ هم شيشناق الأول (الذي حكم واحداً وعشرين سنة، وهو الذي وحد مصر، وضم إليها كلاً من فلسطين وسوريا، ومن أهم الآثار التاريخية المصرية التي تدل على الأسر الفرعونية الأمازيغية:

قوس النصر في مدينة الكرنك، قبر الأسرة الأمازيغية المالكة الثانية والعشرين بمدينة تالبسطة)، أو سركون الأول، تاكلوت الأول، أو سركون الثاني، شيشناق الثاني، تاكلوت الثاني، شيشناق الثالث، باماي، وشيشناق الرابع، تلتها الأسرة الثالثة والعشرون من 817 ق.م إلى 730 ق.م بملوكها الستة: بادي باست، شيشناق الخامس، أو سركون الثالث، تاكلوت الثالث، أمنرود أو سركون الرابع، ليختم حكم الأمازيغ لمصر بالأسرة الفرعونية الرابعة والعشرين التي امتد حكمها من 730 ق.م إلى 715 ق.م بملكين فقط هما تافناخت واح كارع أو بوكوريوس الإغريق.

وللإشارة فالسنة الفلاحية التي دأب النّاس على سماعها وترديدها لا تعدو أن تكون نتيجة أفعال قصدية تبناها الضّمير الجمعي عن غير قصد – تعمّدت تفادي الإشارة إلى كون هذا التّاريخ أمازيغياً بشكل صريح وإن كانت لا تتعارض مع فلسفة الاحتفال الذي دشّنه الأمازيغ بعد دخولهم مصر أو “مّ ئزرا” كما يطلق عليها القدماء والتي تعني ذات الصّخور الضّخمة في إشارة إلى الجلاميد التي بُنيت بها الأهرام – حيث عبّروا ويُعبّرون من خلال تقليدهم السّنوي هذا على تمسّكهم بالأرض المعطاء والاعتراف بفضلها وخيراتها, ومن ثمّ فالاحتفال هو فلاحي بالدّرجة الأولى أكثر ممّا هو سياسي بمرور السّنوات.

إنّه تعبير شعبي عن امتنان الإنسان للأرض الأمّ واعتراف بعطاياها، ومن ثمّ يعمد النّاس إلى إعداد وجبات من خضار الأرض المتنوّعة في إشارة واضحة إلى التّرابط العفوي الطبيعي بين الإنسان وأمّه الأرض.

في الثالث عشر من يناير الميلادي إذاً من كل سنة، تحتفل العديد من الأسر في ربوع شمال إفريقيا بحلول السنة الأمازيغية الجديدة, كلٌّ حسب طقوسه التي ورثها عن أسلافه وإن كان كثير من الناس يجهلون تاريخ هذا الحدث و دلالاته الرمزية والانتربولوجية والحضارية.

أصل تسمية الأمازيغ:

تعود تسميّة الأمازيغ إلى كلمة “مازيغ” أو “إمازيغن” وتعني الرّجل الحرّ أو المتمرّد الذي لا يمكن استعباده، أما تسميّتهم بالبربر فهي خطأ شائع كون كلمة البربر هي كلمة رومانية كانت تطلق على كلّ الشّعوب الأجنبيّة التي تعيش حول المملكة الرومانية أيّاً كانت هويّتها، ويسمّى عيد رأس السنة الأمازيغية بـ “ينّاير” وهي كلمة مكونة من “ينّ” بمعنى الأول و”آيار” بمعنى شهر، كما أنّها تعني “أوّل كلمة” ويقال إن معناها “في البدء كانت الكلمة”، ويحتفل الأمازيغ في الجزائر وتونس والمغرب حالياً بهذا اليوم ويقيمون فيه طقوسهم وعاداتهم التي تحيل كلّها إلى طلب الخصب والنّماء والخير، وقد كانت ديانتهم وثنيّة في سالف العصور ثمّ انتقلوا إلى اليهوديّة ثمّ المسيحيّة وظلّوا طويلاً عليها قبل أن يعتنقوا الإسلام إثر الفتوحات.

“أمازيغ” كلمة أمازيغية تجمع على “إيمازيغن” ومؤنثها “تمازيغت” وتجمع “تِمازيغين”. يعني اللّفظ في اللّغة الأمازيغيّة الإنسان الحرّ النبيل.

البربر أو البرابرة اسم لاتيني، ويعني المتوحّشين أو الهمجيّين البدائيّين، أُطلق على كلّ الأجانب وبينهم الأمازيغ وذلك في غزواتهم لبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.

أخذت كلمة ” البربر” عند الرومان معنى سياسيّاً وأطلقت على الشّعوب التي تقف في مرتبة حضارية أدنى منهم، ثمّ أخذت الكلمة معنى أكثر خصوصيّة حين أطلقت على البلدان التي خرجت على طاعة الرومان فسمّوا برابرة Barbarikum أو” بلاد البربر” وخاصّة  نوميديا Nomidia أو دولة البرابرة, وعندما فتح المسلمون شمال إفريقيا حافظوا على اسم ” البربر” ولم يغيّروه لذيوعه وانتشاره بينهم.

وينسب البربر بحسب بعض المؤرّخين، إلى ” مازيغ ” ابن كنعان بن حام بن نوح فهم حاميون. أما دوبرا، المؤرخ الفرنسي، فقد أشار إلى أنّ البربر جنس آري هاجر من نواحي الكنج بالهند، منذ زمن بعيد في القدم، وهم حاميون وليسوا ساميين. كما أشار أحد علماء الانثروبولوجيا الإيطاليين إلى أنّ البربر في الأصل وبصورة خاصّة الطوارق منهم من جنوب إيطاليا، وكانوا قد نزحوا إلى هذه المنطقة عبر البحر الأبيض المتوسط في عصور غابرة.

كما يرجع بعض علماء الاثنولوجيا أصلهم إلى أجناس أوربية مختلفة استقرت في شمال أفريقيا منذ قديم الزمان واختلطت بعضها مع البعض الآخر عن طريق الاتصال الحضاري وكوّنوا في الأخير جنساً له خصائص متشابهة، كما هي البيئة.

من هم الأمازيغ؟

الأمازيغ أو البربر اسم يطلق على من يتكلّم ” الأمازيغية ” وهم السكّان الأصليّون في الشّمال الإفريقي الذين ينتشرون في مساحة تمتدّ من برقة و واحة سيوة على مشارف مصر شرقاً، حتّى المحيط الأطلسي غرباً، وعلى امتداد الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي حتّى مالي والنيجر جنوباً. 

تاريخياً، اختلط الأمازيغ بشعوب وأقوام عديدة ومختلفة، منهم الفينيقيين واليونانيين والإيطاليين، اختلاطاً عابراً، غير أنّهم اختلطوا وامتزجوا بالمصريّين القدماء والعرب والمسلمين بشكل أقوى. وقد اعتقد بعض المؤرّخين، ومنهم الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي وغيرهم، بأنّ قبائل صنهاجة وقتامة من حمير، غير أنّ العلامة ابن خلدون اعتبر في مقدّمته المعروفة  هذه الأخبار واهية وبعيدة عن الصحة وعريقة في الوهم والغلط, وهي أشبه بقصص موضوعة، غير أنّ ابن خلدون أشار في موضع آخر إلى أنّ بعض قبائل البربر يحتفظون بأنساب عربية صريحة مثل صنهاجة وقتامة، وأنّها ذات أصول يمنية.

بعد الفتح الإسلامي لمصر عام 641م وصل المسلمون إلى برقة عام 669م ثمّ إلى طرابلس وفزان، غير أنّ مرحلة الفتح المنظمة بدأت على يد عقبة بن نافع الذي وصل إلى سواحل المحيط الأطلسي غرباً, ثم تبعه حسان بن النعمان ثمّ موسى بن نصير، والأخيران هما اللذان استكملا فتح المغرب والأندلس, وكان موسى بن نصير قد نشر الإسلام واللغة العربية جنباً إلى جنب، مع الفتح الإسلامي لإفريقيا.

ومنذ ذلك الحين اختلط البربر بالمسلمين واعتبروا الدخول في الإسلام تحريراً لهم من رقّة الرومان, وقد انتهز حسان بن النعمان دخول البربر إلى الإسلام فجعل أكثر جيشه منهم، وقسم لهم الفيء والأرض، فشاركوا الجيش الإسلامي في فتوحاته إلى إسبانيا، وكان من بينهم طارق بن زياد وهو بربري، قاد جيش المسلمين لفتح إسبانيا وعبر المضيق الذي سمي فيما بعد باسمه.

وفي فترة الخلافة الأموية تولى يزيد بن أبي مسلم ولاية المغرب، وكان شديداً جائراً حكم مثل الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق بالشدة والعنف، فثار عليه البربر وقتلوه عام 720م, وبحسب حياة عمامو في كتابها “أسلمة بلاد المغرب”، فإنه بالرغم من مقاومة البربر لولاة بني أمية وعمالهم لم يضعوا سؤال الإسلام باعتباره ديناً ومشروعاً حضارياً موضع تساؤل، وإنما رفضوا الخضوع للظلم وليس للسلطة المركزية بدمشق.

 وكانت جماعات من البربر قد ابتعدت لاجئة إلى الأطراف القصية، وأخرى اعتصمت بجبال الأوراس والأطلسي وكذلك في بلاد القبائل الكبرى. وقد وجدت بعضها في أفكار الخوارج ما يتوافق مع فهمها للإسلام في المساواة وشرعية الثورة على الحاكم الظالم، فكان منهم الصفرية اتّباع عكرمة الصفري، التي انتشرت أفكاره جنوب المغرب الأقصى والاباضية، اتّباع سلمة بن الأسعد الإباضي، الذي راجت أفكاره في المغرب الأوسط، وبصورة خاصة في وادي ميزاب حتّى طرابلس.

بعد سقوط الدولة الأموية في الشام غلبت الخوارج العباسيين وحكموا أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا بحدود عام 768 وأقاموا إماراتهم فيها، ومنهم الأغالبة. وفي القرن الحادي عشر وحتى الثالث عشر سيطرت قبائل بربرية الأصل على المنطقة وأعلنت استقلالها عن الخلافة الأموية في الأندلس. وكانت دولة المرابطين أولى تلك الدول التي امتدّ نفوذها في الساحل الإفريقي ثمّ تبعتها دولة الموحّدين التي امتدّ نفوذها في جميع أنحاء شمال إفريقيا، من المغرب حتّى تونس. وقد استمرّ حكمها حتّى أواخر القرن الثالث عشر الميلادي.

شارك البربر في بناء الحضارة في شمال إفريقيا، بالتّعاون مع الآخرين أو لوحدهم، مثلما شاركوا في تطوير وبناء حضارة مصر القديمة حيث حكم البربر فيها ما يقارب ثلاثة قرون. وكان الملك شنشناق الاول، مؤسّس الأسرة الثانية والعشرين الفرعونية، بربريّ الأصل بحدود 950 ق. م و ساهم في تطوير الحضارة المصرية القديمة في عصورها المتأخّرة، كما شارك البربر في بناء وتطوير قرطاجة وحضارتها مع الفينيقيين الذين وصلوا إلى ما يدعى اليوم بمدينة تونس وشاركوا معهم في الفتوحات القرطاجية وكذلك في العمران، مثلما شارك القرطاجيون البربر بعقائدهم القديمة، وبخاصّة في عقيدة ” آلهة الخصوبة ” البربرية وممارسة الوشم الذي عكس فلسفة خاصة بهم ارتبطت بمعتقدات وطقوس دينية كان من أهدافها إبعاد الرّوح الشريرة عن الإنسان والأشياء.

دولة نوميديا الأمازيغية:

من الدّول التي لعبت دورا هامّا في تاريخ شمال إفريقيا هي دولة نوميديا البربريّة التي تأسّست بعد سقوط قرطاجة عام  146ق. م. وكانت عاصمتها قرطبة التي تعرف اليوم بقسنطينة التي تقع في الشمال الشرقي من الجزائر، وامتدّ نفوذها إلى شرشال عاصمة موريتانيا جنوباً وطنجة في المغرب شمالاً. وكان ماسنيسا قد اخترع “لغة ليبية ” على نمط الحروف الهجائية الفينيقية واتّخذ من الزراعة حرفة للقبائل المتنقلة بدل الرّعي والتّرحال.

وقد تطوّر في نوميديا اقتصاد زراعي وتجارة نشطة وجيش قويّ يسنده أسطول بحري. وقد ضرب ماسنيسا السكة باسمه وعمل على توحيد الشمال الإفريقي كلّه. واستمرّ حكمه ثلاثين عاماً (146- 118ق.م ).

غير أنّ ماسنيسا لم يستطع التحرّر من السيطرة الرومانية، عندما اختلف أولاده الثلاثة على السلطة من بعده، أرسلت روما بعثة عسكرية قسّمت البلاد بين اثنين من أولاده، إلاّ أنّ يوغرطة أحد الأولاد الثلاثة اضطرّ إلى مقاومة الرومان عام 109 ق.م وقاد ثورة ضدّهم  واستطاع تحرير القسم الشرقي من البلاد وهزم الرومان إلى الجبال، ثمّ طردهم منها و وحّد بلاد إفريقيا.

انتهت حياة يوغرطة الذي ما زالت ذكراه حيّة في قلوب البربر كبطل قومي أسطوري في حفلة غدر وتآمر أقامها القائد الروماني سولا، بالتعاون مع بوكوس ملك المغرب، حيث دُعِي إلى حفلة عشاء فقُبض عليه وصُلب في شوارع روما عام (105ق.م)، وما زال البربر يردّدون مقولته الشهيرة :

روما أيتها الملعونة، لو وجدتُ من يشتريك لبعتك في الحال. 

نوميديا هي مملكة أمازيغية قديمة قامت في شمال غربي إفريقيا ممتدّة من غرب تونس الحالية لتشمل الجزائر الحالية وجزءاً من المغرب الحالي، وكانت تسكنها مجموعتين كبيرتين، إحداهما تسمى: المازيليون في الجهة الغربية من مملكة نوميديا وهم قبيلة تميّزت بمحالفة الرومان والتعاون فيما بينهم ضدّ قرطاج، أمّا القبيلة الأخرى فكانت تسمى بالمسايسوليون وهم على عكس المازيليين كانوا معادين لروما متحالفين مع قرطاج وكان موطنهم يمتدّ في المناطق الممتدّة بين سطيف والجزائر العاصمة و وهران الحالية. وكان لكلّ قبيلة منهما ملك يحكمها إذ حكم ماسينيسا على القبيلة المزيلية في حين حكم سيفاكس على المسايسوليين.

تاريخ تأسيس نوميديا:


لا يُعرف تاريخ تأسيس مملكة نوميديا على وجه التّحديد، فبعض المصادر القديمة سواء المصرية الفرعونية أو اللاتينية أشارت إلى وجود ملوك أمازيغ في شمال إفريقيا, بحيث تروي بعض الروايات الأسطورية أو التاريخية أنّ الأميرة الفينيقية أليسا المعروفة بديدو ابتسمت بإغراء لإرضاء الملك الأمازيغي النوميدي يارباس ليسمح لها بالإقامة في مملكته، وهو ما رواه المؤرخ اللاتيني يوستينيوس نقلاً عن غيره. كما أشارت بعض المصادر اللاتينية أنّ كلا الملكين الأمازيغيين: يارباس و يوفاس رغبا في التزوّج بالأميرة الفينيقية أليسا، كما أشار الشاعر فيرخيليوس إلى أنّ يارباس كان يفرض زواجه على أليسا كما كان يقدّم القرابين لأبيه جوبيتر- آمون في معابده الباهرة ليحقّق له أمنيته. غير أنّ هذه الأساطير ليست دقيقة. وأنّ جُلّ المؤرّخين يعتقدون أنّ أيلماس هو المؤسّس لمملكة نوميديا وللإشارة فإنّ الملك ماسينيسا الذي ينتمي إلى أسرة أيلماس كان يطالب باسترداد أراضي أجداده في حربه ضدّ قرطاج ومملكة موريطانيا الطنجية (شمال المغرب) مدعوما بروما.


نوميديا في عهد ماسينيسا:


يعتبر ماسينيسا أشهر الملوك النوميديين، إذ تميّز بقدراته العسكرية حيث تمكّن من هزم خصمه الأمازيغي سيفاكس كما تمكّن من هزم حنبعل القرطاجي أعظم الجنرالات التاريخيين في معركة زاما بتونس الحالية سنة 202 قبل الميلاد. وربّما لأسباب عاطفية تكمن في تزويج القرطاجيين خطيبته: صوفونيسا لخصمه المسايسولي سيفاكس رافعاً شعاره الشهير:

إفريقيا للأفارقة متحالفاً مع روما عاملاً على تأسيس دولة أمازيغية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية. وفي عهده برزت نوميديا في ميادين عسكرية وثقافية متبعاً التقاليد الإغريقية فيما يتعلّق بالطقوس الملكية. كما جهّز الأساطيل ونظّم الجيش وشجّع على الاستقرار وممارسة الزراعة وشجّع التّجارة، الشيء الذي جعله يُعتبر أبرز الملوك الأمازيغ القدماء.

نوميديا بعد ماسينيسا:


ماسينيسا الذي بلغ من الكبر عتيّا لم يأخذ بالحسبان القوة الرومانية، كما أنّه لم ينظّم أمور الملك، فبعد وفاته قامت صراعات بين أبنائه لحيازة العرش فتدخل الرومان و وزّعوا حكم نوميديا التي أصبحت الخطر القادم بعد انهيار قرطاج على ثلاثة من أبنائه ونصّبوا مسيبسا حاكماً لنوميديا وعمل على مدّ جسور العلاقات الودية مع روما، في حين جعل أخوه غيلاسا قائداً للجيش، بينما جعل الأخ الثالث ماستانابال القائد الأعلى في مملكة نوميديا، غير أنّ ميسيسا انفرد بالملك بعد وفاة إخوته في وقت مبكّر.

بعد وفاة ميسيبسا اندلع أيضاً صراع بين أبناء ميسيبسا وهم: هيمبسلو أدهربل وأحد أبنائه وهو حفيد لماسينيزا، وعلى غرار التجربة الأولى عملت روما على التدخّل لتوزيع مملكة نوميديا قصد إضعافها غير أنّ يوغرطة تميّز بقوميته على غرار جدّه ماسينيسا حالماً بإنشاء مملكة نوميدية أمازيغيّة قويّة بعيدة عن تأثير القوّة الرومانية.

نوميديا في عهد يوغرطة:

بعد الصّراع بين أبناء ميسيبسا تمكّن يوغرطة من القضاء عليهم ومن مدينته سيرطا التي اختارها كمنطلق لحروبه ضدّ الرومان كبّد روما خسائر كبيرة في جنودها حتّى بدا وكأنّ الفوز سيكون لا محال من نصيب يوغرطة غير أنّه وحسب الروايات المتداولة قام أحد ملوك موريطانيا الأمازيغ التي وجدت في منطقة المغرب الحالي وهو بوشوس بالغدر به في فخّ روماني  وبذلك تمّ القبض عليه وسجن إلى أن تمكّن منه الموت.


نوميديا بعد هزيمة يوغرطا:


بعد هذه الهزيمة أصبح شمال إفريقيا غنيمة في يد الرومان وبدل جعلها عمالة تابعة لروما نصّبوا ملوكاً أمازيغيين على شرط قيامهم بمدّ روما بالثروات الإفريقية، وبذلك تمّ تقسيم مملكة نوميديا إلى ثلاثة ممالك، استأثر فيها بوشوس بالجزء الغربي جزاء عمالته، في حين حصل غودا على الجزء الشرقي، أمّا ماستانونزوس فقد حصل على الجزء الأوسط من مملكة نوميديا الموزعة.

نوميديا في عهد يوبا الأول:


بعد خلفاء بوشوس الذين تميّزوا بإقامة علاقات ودية مع روما، ظهر ملك أمازيغي نوميدي آخر وهو حفيد ليوغرطة وكان اسمه يوبا الأول، هذا الأخير حلم على نهج أجداده يوغرطة وماسينيسا لبناء دولة أمازيغية نوميدية مستقلّة تكفيهم التدخّلات الأجنبية.

وفي سنة 48 ق.م بدت الفرصة سانحة لتحقيق هذا المأرب، ذلك أنّ صراعاً قام بين بومبيوسوسيزر حول حكم روما، واعتقد يوبا الأول أنّ النصر سيكون حليفاً لبوميوس وراهن على حلف بينهما غير أنّ النصر كان مخالفاً لتوقعات يوبا الأول وتمكّن سيزر من هزم خصمه بومبيوس.

ففي سنة 48 قبل الميلاد تمكّن الجنود الرومان وجنود كلّ من بوشوس الثاني وبوغود الثاني من تحقيق نصر مدمّر ضد جيوش يوبا الأول وبومبيوس، بالرّغم من تمكّن يوبا الأول من الفرار إلاّ أنّه انتحر بطريقة فريدة دعا فيها أحد مرافقيه من القادة الرومان إلى مبارزة كان الموت فيها حليفاً لكلّ منهما.

نوميديا كمقاطعة رومانية:

بعد هزيمة يوبا الأول فقدت نوميديا استقلالها السياسي، وكانت نهايتها عام 46 ق.م بعد مرور مائة سنة على ذكرى قرطاجة سنة 146 ق.م، و بهذا دخلت نوميديا فترة جديدة وهي فترة الحكم الروماني.

 

السكّان الأصليّون لشمال إفريقيا:

من الغريب أن يجهل العرب الكثير عن الأمازيغ رغم كونهم من الشعوب التي تتعايش معهم، فهم السكان الأصليون لشمال إفريقيا، وأسّسوا حضارة غنية وممالك قويّة عبر التّاريخ، أشهرها المملكة النوميدية التي حكمها الملك ماسينيسا، كما يزخر التّاريخ الأمازيغي بأسماء ملوك كان لهم شأن عظيم سياسياً وثقافياً وتاريخياً منهم: الملكة ديهيا، الأمير كسيلة، والملك سيفاكس، وجايا، ويوبا الأول ويوبا الثاني، وهذا الأخير ارتبط بالأميرة سيلينا وأنشأ مجلساً نيابياً وجيشاً قوياً واهتمّ بالفنون والثّقافة فازدهرت الحياة في عهده.

اللّغة الأمازيغية:

تعتبر اللّغة الأمازيغية جزءاً من اللّغات الآفرو آسيوية، في حين يعتبرها علماء آخرون لغة قائمة بحدّ ذاتها، ويختلفون حول كونها من اللّغات السامية، وهناك فرضية تربطها بالسّومرية بل ويرجعها بعضهم إلى الكوشية، أي أنّها وُجدت قبل اللّغات الساميّة جميعها ليكون عمرها بهذا أكثر من عشرة آلاف سنة، وهي حالياً تكتب بأبجدية تسمى التيفيناغ، وجدير بالذّكر أنّه في عام 2012 نُشرت دراسة في مجلة بولس حدّدت انعزال الجينات الأمازيغية قبل حوالي 18 ألف سنة، كما تمكّن علماء آخرون من عزل الحمض النووي الأمازيغي “إ1ب1ب” المختلف عن الحمض النووي العربي “ج”، مما أبعد فرضية وجود قرابة بين الأمازيغ والعرب، وعزّز فرضيات ابن خلدون والعلماء الأوروبيين الذين جزم بعضهم بكون الأمازيغ ينحدرون من بحر إيجه، وقال آخرون إنهم من شمال أوروبا.

لغة البربر هي الأمازيغية وهي لغة غير كتابية أصلاً، وتتكوّن من عدّة لهجات مع أنّ البعض من البربر كتبها بالحروف اللاتينية، وهناك محاولة لكتابة الأمازيغية بالحروف العربية، مثلما تأثّرت باللّغة الفرنسية بعد الاحتلال الفرنسي للمغرب العربي.

وتختلف اللّهجات الأمازيغية من مكان إلى آخر وخاصّة بين طوارق مالي والنيجر الغربي وبين اللّهجات البربرية في شمال إفريقيا.

عدد الأمازيغ في العالم:

يبلغ عدد الأمازيغ في العالم حالياً حوالي 55 مليون نسمة، يتوزّعون ضمن أقليّات تتمركز بشكل خاصّ في الجزائر والمغرب وحتّى في واحة سيوة المصرية، ويعتمدون على المحاصيل الزراعيّة والصناعات الحرفيّة، والتي تأتي على رأسها صناعة الفضّة، وهي المادّة المقدسّة التي تتفوّق على الذّهب في الموروث الشّعبي، إذ لا ترتدي النّساء الأمازيغيات إلاّ الحلي الفضيّة المطعّمة بالمرجان المستخرج من البحر، وتعتبر تلك القطع تحفاً فنيّة قائمة بحدّ ذاتها ويعتقد في الميثولوجيا المحليّة أنّها جالبة للخير والنّماء والخصوبة والسّعادة.

المرأة الأمازيغية:

تحتلّ المرأة مكانة مرموقة في التّصنيف الاجتماعي وتتميّز غالباً بشخصيّة قويّة وقياديّة، كونها المسؤولة عن حفظ التراث والهويّة من خلال أزيائها التقليديّة وصناعة الزرابي والفخّار وجمع محاصيل الزيتون الذي يُعتبر المحصول الأساسي ويصنع منه زيت الزيتون.

وتجدر الإشارة إلى وجود اختلافات بين مختلف المناطق الأمازيغية في شمال أفريقيا من ناحية الزيّ والاهتمامات وتسمية الأعراق، وحتّى الموروث أحياناً بسبب اختلاف درجات تفاعل كلّ منهم مع المجتمع المحيط به، ولكن بالتّأكيد يبقى القاسم المشترك بينهم جميعاً هو الهويّة التاريخية التي توحّدهم وتُذكّرهم بجذورهم العميقة في التّاريخ الإنساني التي يستذكرونها كلّ عام احتفالاً بـ “ينّاير”.

عادةً ما تنظر الشّعوب غير الأمازيغية إلى المرأة الأمازيغية نظرةً سلبية مغلوطة ويعود السّبب في ذلك إلى تعرّضها للسّبي من قبل الأمويين الذين تعاملوا معها كجارية فقط.

لكن لا أحد يستطيع أن ينكر الدّور البطولي الذي لعبته الأمازيغيات في تاريخ شعوبهنّ فقد كنّ حاكمات وقائدات وثوريّات محنّكات، فالتّاريخ لا يمكن أن ينسى كُلّاً من الملكة الكاهنة  (ديهيا) التي غلبت جيوش حسّان بن نعمان وحكمت دولتها لمدة عشر سنوات، ولالا فاطمة نسومز التي قاتلت الجنرالين ماكمهون و راندون وكانت رمزاً للثورة ومقاومة المحتلّ.

وتتميّز المرأة الأمازيغية بالصّلابة والقوّة حيث ساهمت الطبيعة الجبلية التي تقطنها القبائل (وهم اسم آخر يشتهر به الأمازيغ) منذ زمنٍ طويل في تشكيل شخصيتها وطباعها، كما أنّ اختصاصها في صناعة الحليّ والفخّار والسجّاد، جعلها تلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على الإرث التاريخي على مرّ العصور.

وما لا يعرفه البعض هو أنّ ثقافة الأمازيغ هي ثقافة قائمة بحدّ ذاتها، فالقبائليّون أبدعوا في اختلاق أساطير خاصّة بهم وفي صنع موسيقى مختلفة لا تشبه غيرها والتي تروي نغماتها قصص كفاحهم وتاريخهم، كما أنّ نساءهن اشتهرن برقصاتهنّ الجميلة وبأزيائهنّ التي تبعثُ ألوانها الدافئة الأمل في نفس من يراها، أمّا الوشم الذي يُزيّنُ وجه جدّاتهن فيشبه في نقوشه أحرف لغتهم التي تحكي قصّة فخرٍ وشموخ.

عن مجلة دشت العدد (0)

مجلة دشت فصليّة ثقافيّة- تصدر عن “اتحاد مثقفي روجآفايي كردستان”

إغلاق