قصص قصيرة جداً ..عامر فرسو

الزمن
هناك، كما جرت العادة، حفروا له قبراً في خاصرة الوطن؛ حيث التلال الأثرية تحيط به في سهول الجزيرة، بابتسامة تعلوها غلالة حزن عميق، أنزلوا نعشه القبر، وبضع قطرات من دمه سبقته؛ وهي تنسال من جرحه المبهوت؛ كما جرح هابيل الأول؛ إلى عهدة التراب سلّموه شهيداً، وعلى ذات التراب، ليس بعيداً، هناك، بالقرب من ضفاف دجلة؛ زفّوا قلباً آخر؛ شهيداً شامخاً كجبال هلَكورد، بعين ترنو نحو السماء؛ كأنها تسأل خالقها عن سرّ هذه اللعنة في الدم! بصمت، وتحت ذات السماء، في عين اللحظة الدامية؛ وفي كلا اتجاهي الجرح؛ إلى ضياع صدى صوتهم، عاد المشيعون الأحياء؛ وهم يتساءلون، بحثاً عن قابيل في الحكاية الكوردية.
البلدة المحررة
في طريق عودته إلى البلدة المحررة؛ منذ الأيام الأولى للثورة،استوقفه العسكري على الحاجز، طالباً منه إبراز البطاقة الشخصية، ردّ بفرح … أنا غادرت الآن السجن المركزي في المحافظة، بعد أن اقتحمه الثوار، ولهذا ليس بحوزتي أي بطاقة شخصية، أو أياً من الثبوتيات، ولكن كل أهل البلدة يعرفونني يا بني… أنا المدرّس أبو ……، قاطعه العسكري،وعلّق على كلامه بسخرية وتهكم… أيها السجين الحرّ! أيها المدرس…! ما يلزمنا هو بطاقتك الشخصية،وليست قصتك الشخصية..!
دقيقة من الزمن انقضت بصمت ثقيل،وبشيء من الحذر…. قال السجين: ولكن أنا لا أملك بطاقة شخصية..! حينها سحب العسكري,المعلم من ياقة قميصه،ودفع به إلى عسكري آخر؛ ليُقتاد إلى سجن البلدة المحررة!
قبضتان
مرَّات كثيرة يُطالعنا بوجهه البطولي التَّاريخي, يجمع أصابعه على قبضة فارغة ويتوَّعد ..أمَّا في تلك الشَّوارع التي أضحى الحلم فيها جريحاً يقاوم كان طفلٌ واعد غارقاً في دمائه لا يترك الحجر يفلت من قبضته الواعدة بـــ…الأمل ؟